وريقات
النتيجة لم تكن تشكل لها أى فارق فأيامها مشحونة بالعمل؛ فجأة تشعر أن هناك شيئاً
ناقصاً فى حياتها، وتلتفت على غير العادة إلى النتيجة تتذكر عيد ميلادها،تحسب
سنوات عمرها فتكتشف أنها تقترب من الأربعين، تشعر أن يومها خال، وتفكر ربما لأنه
إجازة من العمل ، تفكر فى طريقة تسرى بها عن نفسها، تأخذ أجندة التليفون لديها
الكثير والكثير من الصديقات والأصدقاء الذين طالما تمنوا أن تتحدث معهم، تتصل بهم،
تحادثهم، جميعهم مشغولون بأشياء تخص أسرهم وعائلاتهم، تيأس من وجود شخص يسرى عنها
ويخفف كآبتها التى تستشعرها، تذكرها أعذارهم واعتذاراتهم عن استكمال الحديث فى
التليفون أو الخروج معها بالعائلة، وتهب واقفة لترتدي ملابسها، تنظر فى المرآة
بتركيز شديد، متى كسا ذلك البياض شعرها الأسود الناعم الجميل! وتنظر إلى قسمات
وجهها فى المرآة فتجد بريق الشقاوة وقد أنطفأ فى عينيها و أنطفأ لهيب الحماس آخذاً
معه حمرة خديها، حتى قسمات وجهها كبرت بشكل رهيب،تتصل بأختها الوحيدة كل عائلتها
المتبقية(اليوم إجازتي سآتى لأقضيه معك أنت والأولاد فلم أراكم منذ زمن بعيد).
ترحب الأخت وينتهى الاتصال وتنزل مسرعة آملة أن
ينتهى طيف الوحدة الذى يحاصرها، تركب سيارتها وتتجه لمنزل أختها وهى تشعر أنها
ستسيطر على تلك الكآبة والإحساس بالوحدة تتلقى قبلات أختها وسلاماتها وتدلف إلى
داخل المنزل وتستشعر الدفء وشىء أخر خاص لم تعرف كنهه وتفتقده فى منزلها الباهظ
التكاليف، تستأذنها الأخت فى الذهاب إلى المطبخ لتعد طعام الغداء، فهذا موعد عودة
أطفالها وزوجها، وتظل تلف وتدور حولها كالنحلة وهى تراقبها باندهاش؛ فلطالما اتهمت
أختها بأنها متكاسلة وتهدر كيانها فى حياة تافهة فارغة، اليوم انقلبت الآية
فحياتها فارغة وحياة أختها مشحونة للغاية، ويعود الأولاد والزوج، وتتناول الغداء
مع عائلة أختها وهى تشعر بالغربة وسط هذا الحشد،فلا مجال لديها فى أحاديث هؤلاء
الأشخاص بالرغم من لباقتها وأنها متحدثة جيدة، وبالرغم من ثقافتها العالية، إلا أن
أحاديثهم كانت تحتاج إلى ثقافة وخبرة من نوع خاص لم تعرفهما أبداً، أما أختها
فكانت تجيد إدارة الحديث بنفس سهولة إدارتها للمنزل، شعرت بالملل فاستأذنت أختها
متعللة بموعد هام كانت قد نسيته، ودعتها أختها، خرجت وظلت تتمشى على الكورنيش الذى
كانت تأتى له من زمن بعيد لتمنى نفسها، وتعد نفسها أمامه بالمستقبل الباهر الذى
ينتظرها وأنها لن تتوقف مهما كان الثمن، وعندما تعود إلى منزلها طائرة على جناحى
أحلامها، تستقبلها الأم بنظرات الحسرة وعدم الرضا عن موقف ابنتها من الزواج، وإنجاب
الأطفال، تتذكر نفسها وهى تتأفف من أحاديث والديها عن (ابن الحلال والعرسان اللقطة
وبيت العدل)، تنفعل بعد مناقشة حامية وتصرخ وتهرع إلى الخارج لتتخلص من إلحاحهم
عليها بالزواج، وتقول لنفسها "الزواج ينتظر وإنجاب الأطفال يحتاج لأم ، والأم
تحتاج لوقت، والوقت كله ملك لمستقبلى الكثيرات يتزوجن، والكثيرات ينجبن، ولكن لا
أحد ينتظره مستقبل واعد كمستقبلى" والآن ستعود لمنزلها وحيدة، ولن تجد شخصاً
ينتظرها أو يتلهف لمعرفة أخبارها أو أين كانت أو كيف جرى يومها؟ ولا شخص يهتم
لأمرها إلا إذا كانت له مصلحة شخصية يريد منها إنجازها،أصبح مستقبلها باهراً
وتحققت كل أحلامها، واسمها يساوى الكثير، وأمرها يغير الكثير أما هى كأنسانة.....
صعب
جداً عدم وجود انسان يحتاج لانسانيتك ويشبع احتياجاتها فيعطيك من انسانيته أنه
احساس مرير..."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق