(نعم
أنجبتك ولست نادمة بعد كل ما فعلت بى)قالتها وعيناها تذرفان الدمع ويحترق قلبها من
شريط الذكريات الذى يمر أمام ناظريها، ويحجب عنها منظر ولدها الذى فطر قلبها
بجحوده، والذى يقف أمامها كالجلاد يلقى بكلماته كالسوط الذى يلهب ظهرها ويألب
عليها أحزانها، أكملت حوارها رداً على كلماته اللاذعة واتهامه لها بالقسوة
والاهمال في حقه والبخل عليه في المشاعر والمال بل وكرهه وأنها السبب وراء ما آلت
إليه حاله، قالت له
والمرارة سكيناً تلم تذبح روحها فينزف القلب وتقطر الذكريات الأليمة من عقلها الذى
لم يعد يعى كيف أن ابن رحمها هو ذاك الوحش المنتصب أمامها، قالت عبارات بصوت مخنوق:
(إن كنت تعتقد أنى أم ظالمة فلن أعترض لكن ماذا تنتظر من إنسانة ظلمها المجتمع حتى
طحن عظامها الظلم، وإن كنت ترى إنى مهملة فلن أجادلك ولكن ما عانيته من إهمال
جعلنى ذليلة لا أقوى على رفع بصرى إلى مستوى أعلى من قدمى، وإن كنت تعتقد إنى
مستهترة فلم يكن لدى شخص واحد يتحمل المسئولية لأتعلم منه، فقد ولدت فى أسرة فقيرة
لأب موظف ضعيف الشخصية وأم فوق جهلها تصب تسلطها وسخطها على المجتمع فى شخص زوجها
وأولادها وكأنما الحياة أوجدت تلك التركيبة لتساعد فى إيجاد من هم أمثالى وعلى
شاكلتى، كنت أصغر أخواتى الثمانية، وكان هناك
فى ذلك الجحر الصغير أقصد بيتنا الذى لا يزيد عن غرفتين وصالة 3 أبناء ذكور
وخمس بنات وبفضل ترتيبى الذى لم أختره كما لم أختر أى شىء أخر فى حياتى، كنت أنام
تحت الأقدام وألبس البالى من ملابس أخواتى وأقوم على خدمتهم وأتحمل ضربهم
وأهانتهم، لم أحظ يوماً بضلفة دولاب أو رف فى ضلفة، لم أحظ بوقت أستطيع أن أنفرد
فيه بنفسى حتى داخل الحمام ، فبما أنى كنت الصغيرة فقد كان من المعتاد ان يستخدم
الجميع الحمام فى وقت استحمامى فيه دون خجل منى أو وجود اعتبار لخجلى منهم وأنا
عارية، كما تعودت أحياناً أن يكون استحمامى جزء مستقطع داخل استحمام اى من أخواتى
ويتم إلقائى خارجا لأكمل إرتداء هلاهيلى، لم يكن لدى مصروف لأشترى به الحلوى، حتى
المدرسة تزوجت أخواتى ليهربن من منزلنا ولإنى كنت أصغرهن فقد كان لزاماً أن أنقطع
عن المدرسة لخدمة أهل المنزل بدلا عن أمى التى أنهك صحتها كثرة الصراعات مع أبى
وأخوتى ذكوراً وإناثاً، أما انا فقد كنت مجرد غلطة تندم عليها كل يوم وتروى لى كيف
أنها حاولت التخلص منى مراراً إلا أننى كنت كلزقة إنجليزى ، وإنى زدت من عبئها
وهمها وحمل الأسرة المنكوبة، وكأن السبعة الآخرون جاءووا برزقهم أما انا فكنت وش نحس، مات والدى عائل
الأسرة وهرب الذكور خارجا والإناث إلى بيوت الأزواج وظللت أنا لأتحمل تسلط أمى
الذى تضاعف مع شيخوختها وهرمها ، وكانت فرصى فى الزواج ضئيلة فقد كنت فتاة فقيرة،
لا ينظر إلى رجل إلا ويسألنى :(بتخدمى فى بيت مين يا شاطرة )، ولم يكن لدى من
المؤهلات الشكلية أو العلمية ما يؤهلنى للحصول على زوج ينقذنى من هذا البؤس فكما
حرمتنى الأقدار من العديد من الأشياء فلم أكن جميلة كبقية أخوتى حتى أننى كنت
أصدقهم عندما يعايروننى بأنى أكيد لقيطة، وزاد من بؤسى صعوبة الحصول بكل تلك
النقائص على وظيفة تسمح لى بالصرف على نفسى وعلى أمى المريضة ذات اللسان اللاذع
الذى كانت تستخدمه كسياط تلهب به عزيمتى كلما خارت قواى فى البحث عن عمل، وأخيراً
فرجت فى محل خردوات صغير عند تلك الناصية رجل عجوز غير مريح إضافة إلى بخله
ونظراته التى تشع فسقاً وفجوراً رضى بأن يوظفنى
بملاليم، ثم قبل أن يزيد مرتبى على أن أعطيه ماهو أكثر من العمل الشاق بعض
المتعة، رضيت ؛لم يكن ذلك بالنسبة لى طريقاً للرذيلة بل كان حلا والسلام فقد كان
البؤس يحاوطنى من كل جانب ولم يكن هناك من يرعانى أو ينصحنى، وبعد أن جعلنى عشيقة
حولنى لساقطة كان هو قوادى ومن عجوز لعجوز حتى أننى كنت أمنح نفسى للشباب مجاناً
لأتذوق طعم العلاقة الحقيقة برجل من كثرة معاشرتى لشيوخ أشبه بالجثث منهم
بالأحياء، لم تسألنى أمى كيف أحضر ذلك المال، ولم يسأل أخواتى كيف أصرف أمورى أنا
وأمى ولم أسأل نفسى ماهو الغد الذى ينتظرنى، حتى جاء يوم وجدت قوادى يسوقنى لرجل
هو فى الحقيقة زوج واحدة من أخواتى هلع وهلعت وبعد برهة عرض على أن نكمل وكأننى لا
أعرفه ولا يعرفنى هو ،صعقنى ما قاله لكننى ولأول مرة أدرك ماهو الأغتصاب فقد كان
منتشياً واعداً بإقامة علاقة وقد دفع ثمنها لقوادى فلا مناص أن يعود عما أنتوى لأى
سبب خاصة لو كان سببا أخلاقياً فلا أخلاق لديه، وبعدها لم أعد أطيق تلك الحياة ولا
تلك البلدة ولا تلك العائلة تركت كل شىء وهربت بمبلغ أدخرته ذهبت حيث الزحام فى عاصمة
تتوه فيها السيرة الذاتية للأشخاص ولا يعرف عنهم إلا الماضى الذى ينسجوه حول
أنفسهم، أجرت غرفة صغيرة وأخبرت صاحبة العقار أننى من أسرة محترمة مات الوالدين فى
حادث سيارة وأراد عمى أن يزوجنى رغماً عنى فقررت الابتعاد عن بلدتى وأسرتى وتركت
له ميراثى، ونشرت صاحبة العقار تلك القصة عنى فأحترمنى الجميع وتعاطفوا معى، ووجدت
عرضين واحداً بالعمل والآخر بالزواج من نفس الشخص وقبلت وبعد الزواج اكتشفت أنه
يعانى من عجز يمنعه من الزواج والإنجاب ، الحقيقة أننى فرحت فلم يكن مبتغاى من
الزواج إقامة علاقة بعد ما وصلت لمرحلة العقدة من العلاقات من كثرة ما عانيت ولم
أكن أرغب فى الإنجاب فلم أكن أشعر بالأمان لأوهبه لطفل ، بل كنت أرغب فى الستر وأن
أجد من يرعانى وأحتمى به وأنسى معه كل ما مررت به لكنه كان من أحقر البشر فقد
أستغل معرفته بماضى الذى حاولت حجبه لكنه تكشف رويداً رويداً رغما عنى، ساورته
الشكوك فتتبع أنفاسى وأذاقنى الذل والهوان ثم ألقى بى فى عرض الطريق بعد أن اتهمنى
بالخيانة عندما هددته بكشف عجزه إن لم يكف عن إذلالى، كنت تعرفت أثناء زواجى به
على فتاة كان الحى ينبذها بسبب عملها كلبيسة لإحدى الراقصات وطردوها من الحى لكننى
كنت من أشد المتعاطفين معها ساعدتها فى الخفاء فقد كنت جربت مرارة النبذ والطرد
ولذا لجئت لها رحبت بى وحتى لا أشعر بالملل قررت اصطحابى للملهى لأفرج عن نفسى
وأتلهى عن مصائبى وربما وجدت لى عملا معها وهناك رآنى صاحب الكباريه فعرض على
العمل كجليسة للزبائن فى الصالة فوافقت رغم اعتراض صديقتى ولكننى لم أكن أرغب فى
أن أثقل عليها فعندها من الأعباء والآلتزامات ما يغنيها عن تحملى كعبء إضافى ، وتكررت المأساة فمن جليسة إلى
جرسونيرة ، لكن المأسأة تبدلت فقد ترقيت عندما فاقت سمعتى الكباريه الحقير الذى
كنت أعمل به فتحولت للعمل بكباريه أرقى أى يدخله أثرياء الزبائن وخاصة من العرب
وعملت رفيقة للزبائن طوال مدة أقامتهم، كنت أعتقد أن البقاء مع نفس الرجل مدة شهر
أو شهرين أفضل من التنقل بين أحضان الرجال كل ليلة، ولكن حتى ذلك السقوط المدوى لم
يطل، فقد وقعت ذات مرة فى رجل سادى مريض ضربنى حتى شوهنى وألقى بى فى عرض الطريق
كانى حشرة، أنقذنى طبيب فى منتصف العمر وجدنى غارقة فى دمائى فأخذنى وقدم لى
الرعاية الطبية وساعدنى ، وكان اليد الرحيمة التى أرسلها لى القدر عشت معه من
الشهور ما جعلنى اتعافى من كل جروح جسدى وروحى، واستفقت أنا وهو على حدث جديد فإذا
بى حامل، الغريب أنه أظهر فرحه بحملى ووعدنى بتدبير الأمور للزواج لينشأ أبننا فى
جو شرعى، ووعدته بالحب والإخلاص وان أكون زوجة وأماً صالحة، ولكنه طلب منى أن
أنتظر حتى يعود من مؤتمر علمى كان قد قرر السفر إليه، صدقته ثم سافر ولم يعد ولم
يرسل لى حتى خطاباً حتى جاء صاحب الشقة ذات يوم وطلب منى الإيجار وتراكمت على
الديون وكنت قد انتفخت كالبالون، عملت كخادمة، وكدادة فى حضانة و مندوبة مبيعات
وفى النهاية جئت انت حاولت التمسك بكل الفضائل حتى أكن أما صالحة وإن لم أستطع أن
أكون زوجة صالحة فلعلى أنجح فى كونى أماً
صالحة ولكن النفقات زادت وخاصة عندما لم يمهلنى القدر لأتخلص من قذارتى
وأتطهر من ذنوبى فعاقبنى باكتشاف أن لديك عيب خلقى فى القلب سيمنعك أن تعيش كطفل
طبيعى ومن الممكن أن يقضى عليك، عدت للمهنة الوحيدة التى تدر المال، لكن الحياة
كانت قد علمتنى كيف استغل وحلى لأبعدك عنه فعشت كالنار اجتذب الفراش واحترق
واحرقهم بنارى وقمت بمعالجتك وتجهيز منزل جيد لك وادخالك مدرسة داخلية لتتعلم جيدا
بعيدا عن القذارة التى كنت اعيش فيها حتى اذا ما تخرجت انت كنت رجلا جيدا يعيش
حياة جيدة، بخلت عليك بالمكالمات والزيارات نعم حتى لا يعرف اى شخص انك ابنا للداعرة
فيعايرونك، بخلت عليك ببعض المال لأدخره لك ولى حتى إذا ما صرت رجلا اخذتك وهربت
بعيداً واعتزلت الوحل وعشت حياة الطهر معك دون ان تحتاج الناس أو تحتاج لمن يساعدك
فيستغلك الناس، بخلت عليك بالحنان لكنه كان يمزقنى من شدة اختزانى له ، وما كان
يمنعنى من إغداقه عليك هو اننى خفت ان تشتم من أنفاسى رائحة الخمر والرجال السكارى
الذين يدفعون لقاء معاشرة أمك ثمن أكلك وشربك وثيابك وتعليمك، الآن وقد صرت رجلا
وقادر على الاتهام قل لى ما هى عقوبتى ، ارتسمت ملامح الهلع والجزع من هول ما يسمع
ذهب ناحية الشرفة ورمى نفسه من الدور السابع عشر فلم تجد بدا من اللحاق به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق