المرغمة
استيقظت من نومها
كعادتها منذ زمن طويل رغماً عنها لتذهب إلى عملها التى قد ملت منه كثيراً،ولكنها
تذهب مرغمة فحاجتها لشغل الفراغ ورغبتها فى تأمين دخل ثابت لها أرغماها على
ذلك،تستقل سيارة ميكروباص إلى مكان عملها البعيد عن منزلها،يستغل السائقون صغر
جسدها ونحولته ويحشرونها فى أماكن غاية فى الضيق،تتألم من هذا الوضع لكنها تسكت
مرغمة حتى لاتسمع من الركاب والسائق مايسىء إليها،تصل لعملها وتقوم بتنفيذ أوامر
معظمها متناقض والآخر غاية فى الغباء لكنها تعبت من الجدل ومن النقاش فاعتادت أن
تتقبل الأوامر على مضض وهى صامتة تنفذها كالآلة بلا روح،منذ تخرجت كانت تأمل أن
تعمل عملاً يناسب طاقاتها وقدراتها المبدعة،ظلت تبحث عن الفرصة حتى تعبت ثم جلست
تنتظرها حتى ملت كانت متمردة فى البداية على أوضاعها لكنها أصبحت مستسلمة
لقدرها،أدركت أن تغيير قدرها ليس بيدها،حاولت نقل اهتمامها على أشياء أخرى ربما
وجدت متنفساً لروحها الخلاقة ،لكن أحلامها تكسرت على صخور وعقبات وقفت حائلاً
بينها وبين ما تريد،كانت وحيدة وحدتها معنوية لاتجد شريكاً أو رفيقاً لعالمها يكون
مختلف عمن حولها،انتظرت أن تتحقق أحلامها على يد فارس الأحلام لكنه تأخر كثيراً
كثيراً حتى أصبح حلماً ليس إلا،وفى النهاية تقدم لها شخص لا يناسبها فى شىء على
الإطلاق فهو يكبرها بسنوات كثيرة غير طموح،غير رومانسى لايوجد بينهما أى عامل
مشترك،رفضته وآثرت العنوسة على الزواج من مثله فوجئت بعاصفة هوجاء من الكلمات
والنقد والتعليقات اللاذعة والمؤلمة والتى ذكرتها بكل تجاربها الفاشلة فى تحقيق
أحلامها،حاولت أن تقاوم لكنها لم تستطيع ،أرادت أن تخرس الألسنة التى جعلت منها
قصة يتلهى بها الأقارب والمعارف كانت تجد كل البشر من حولها يتدخلون فى هذا
الموضوع حتى اعتقدت أنه موضوع قومى ومطلب عام،ارادت أن تحتفظ بالباقى من كرامتها
المبعثرة،وحياتها التى اصبحت مباحة للجميع وخصوصياتها التى انتهكت،ارادت أن تخرس
العيون التى تنظر إليها مرة بازدراء ومرة باتهامات باطلة،ارغمت على الموافقة أعلن
الفرح ووجدت نفسها تحت سقف واحد مع كائن لا تقبل منه شىء دبت المشاكل بينهما كان
أهلها ومعارفها وأقاربها وحتى الصديقات يرغمنها على العودة إلى سجن الزوجية مع ذلك
الكائن،حتى حدث الحمل دون تخطيط أو حتى شعور بالرغبة منها لكنها فجأة بدأت تشعر
أنها سعيدة وبدأت تولد داخلها الأحلام من جديد وربما سيعوضها ذلك الطفل عما فقدته
وارغمت عليه ،حتى دخل المنزل ذات مرة وافتعل مشكلة تافهة كعادته وأنهال عليها
ضرباً نقلت على أثار ذلك الضرب من المستشفى لتفيق من البنج وتعلم أنها فقدت أخر أحلامها
،ظلت صامتة وهى تستمع لكل من حولها وهم يتوسلون إليها أن تصفح وأن تعود إلى بيتها
وزوجها فهو قد وعد أن لا يعاود الكرة مرة أخرى،رغبت من داخلها فى الموت بشدة،وماتت
بعد إجهاضها بثلاثة أيام فسر الأطباء موتها على أنه نتيجة خطأ فى العملية أو ربما
حزناً على طفلها المفقود،لكنها أخبرت أهلها ساعة الوفاة بأنها سعيدة لأنها ستحقق
أخيراً ولو أمنية واحدة ونطقت الشهادة واستقبلت الموت بفرح وفاضت روحها
للخالق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق