الثلاثاء، 21 مايو 2013

عفوا أنا صاحبة القميص



رغم أنه سريع إلا أنه دائماً ما يصل إلى محطة بلدتى متباطأ يتأخر ربع ساعة عن موعده يقف بعض الناس فى أنتظاره وهم يتململون إلا أنهم لا يجدون بديلاً عنه حيث ارتفعت مؤخراً أجرة السيارات وأختفى السولار والبنزين من محطات الوقود، وانتشرت الاعتصامات والاضرابات حتى بين السائقين، وزادت حوادث قطع الطرق، فأصبح القطار  أكثر أماناً وأنتظاماً من أى وسيلة مواصلات أخرى، وأرخص سعراً ولا يقف فى طوابير السولار ليملأ خزانه، جل ما يتمناه ركابه أن لايقطع سكان بعض المحافظات الطريق أمامه فيضطر لتغيير مساره، وقفت على المحطة منتظرة إياه بين بعض المنتظرين أسلى نفسى بالنظر إلى بعض الطلبة الواقفين يضحكون ويتبادلون السخرية من أوضاع البلد السياسية ورغم أنهم كانوا يضحكون إلا أن ضحكاتهم مصطنعة تملؤها المرارة يعرفون أنهم على وشك التخج من الجامعة بعد أن كبد كل منهم أهله أموالاً أكثر مما يستطيع أن يجنيه خلال عشر سنوات من أى عمل سيضطرون لشغله لو وجد أساساً حيث أن البلاد امتلئت بالعاطلين عن العمل من ذوى الشهادات ومن ذوى الحرف والمهن المختلفة، وهناك بائعات الجبن والفطير يتبادلن الحديث حول ما لاقينيه على مدار اليوم ويناقشون مبيعاتهم، أما الرجل الذى يرتدى جلابية وترتدى زوجته عباءة سوداء تقبع بجوار جوال من الأرز وما نطلق عليه (سبت) ذات هيكل أسطوانى من الخيرزان لوضع العديد والعديد من الأشياء تحمله المرأة فوق رأسها وهو أرقى من (القفة) وعلى ما يبدو أنه يحمل هدايا الريف لزياة أحد الأقارب أو المهمين للزوجين ويقيم فى المدينة.
 وجاء القطار أخيراً وهرع الجميع إلى عربات الدرجة الثالثة فكان طبيعى لجميع الواقفين إلا قلة بسيطة، ذهبت لعربات الثانية الذى لاتفرق عن عربات الدرجة الثالثة إلا فى السعر وألوان المقاعد واكتظاظ الركاب، جاء أثنان من الفلاحين وجلسا أمامى وظلا يتحدثان عن الأرض والسماد والصرف والرى ومشاجرة نسيب  فلان مع ابن علان، ثم نزلا، ثم جلس فى مقابلى فتاة واضح أنها فى طريقها إلى المدينة الجامعية بالمدينة، ظلت تتحدث مع أحد الأشخاص لمدة نصف ساعة أو أكثر على الهاتف المحمول ثم جاءت محطتها فنزلت، ثم جاء شخص على ما يبدو أنه موظف يعمل فى مكان أخر فيضطر لترك بلدته وزوجته وأبنائه، ويحمل حقائب بها ملابس وحلل مغطاة بإحكام على ما يبدو ما طهته له زوجته ليأكله طوال مدة غيابه عن المنزل ليذكر أم عياله وطعم أكلها ثم جاء فتاة وشاب على ما يبدو أنهما تزوجا حديثاً يرفرف عليهما طائر الحب والرومانسية مازالا فى حالة العشق والهيام التى تسبق تسونامى الغرق فى مشاكل الزواج وظلا يهمسان ويضحكان ويتبادلان النظرات المعبرة، ثم جلست بجوارى سيدة فى أواخر الخمسينيات روت لى ظلم أخوتها لها واستيلائهم على أرثها ووحدتها وحاجتها للمال والرعاية والعلاج ورغبتها فى حنان أخوتها عوضاً عن قسوتهم عليها.
 كل ما كان خلال ذلك الطريق الطويل لم ينسنى عبارتين أرسل بهما إلى هما(وحشتينى-أفتقدك)كلمتان خطفا لباب قلبى بعد طول جفاء فقررت عمل مفاجأة له وأن يعود للمنزل فيجدنى، وتعجبت كيف استطعنا الابتعاد عن بعضنا البعض طوال كل تلك المدة بسبب مشكلة تافهة، ونحن العاشقين اللذان لم يفارقا بعضهما منذ الجامعة، وصل القطار هرولت لمنزل الزوجية وضعت المفتاح فى الباب لم يفتح الباب، ضربت الجرس لعله بالداخل ، فتحت لى أمرأة تتدى قميص النوم الذى اشتريته فى عيد زواجنا الماضى ولم ألبسه بسبب شجار تركت على أثره المنزل وسافرت لأهلى غاضبة، سألتها من أنت؟ قالت لى بتهكم صاحبة البيت وسألتنى باستنكار ومن أنت؟ قلت لها والأرض تميد بى ولا أشعر بتوازنى من شدة الدوران عفواً أنا صاحبة هذا القميص الذى ترتدينه، وتحاملت على نفسى لأرحل ودوعى تحول بينى وبين رؤيتى لسلالم درج بيتاً أعتقد يوما أنه لى ولن يكون إلا لى وحاولت اللحاق بأخر قطار للعودة لبلدتى.