الثلاثاء، 24 فبراير 2015

الجرى فى الاتجاه الخاطىء



أدركت مؤخراً أننى كنت أجرى فى الاتجاه الخاطئ ، عندما ظللت أعدو ولا ألتفت لسخرية ونظرات من حولى وتساؤلاتهم السخيفة لماذا تعدو؟ لماذا الاتجاه الخاطئ؟ توقفت لبرهة لأنظر حولى ولا أجد أى شخص ، وبعد جلوسى على صخرة تساءلت أين الآخرون ؟ هل أعدو وحدى؟ مع من كنت أتسابق ؟ هل هذا هو الاتجاه الصحيح؟ أنا أجرى منذ فترة طويلة إلى أى شىء وصلت؟ وهل كنت سأحرم مما وصلت إليه لو لم أعدو؟ وهل حقق الجالسون أهدافهم فى الحياة بغير عدو؟ وهل سأكمل العدو وحدى؟ أم أعود لنقطة البداية؟ أم أتوقف؟ وماهو معيار الكسب أو الخسارة؟
وأتت الأجابات صارخة من داخلى كنت تجرين عكس الاتجاه ظننتى أنكى كنتى مميزة لكنك لم تكونى كذلك بل تركك الآخرون لأن ما تجرين خلفه لم يكن منطقياً أو عقلانياً، فتساقط داعميك واحداً تلو الآخر وظللت وحيدة، كنتى تتسابقين مع نفسك لأنك حددتى الهدف المستحيل فى مكان وزمان وظروف غير ملائمين ولم تجرى بالسرعة الكافية ولم تعودى قادرة على بذل جهد أكبر، ولم تصلى لشيء بل خسرتى جهدك ووقتك دون طائل، وما وصلتى إليه وصل إليه كثيرون غيرك دون أدنى تعب أو جهد ، وماذا كنتى ستخسرين وظيفتك يحصل عليها من هم أدنى منك فى المؤهلات وتوظفتى بها قبل البدء بالجرى فى السباق ومن سخرية القدر أن تلك الوظيفة التى أتت دون رغبة منك هى كل كسبك فى الحياة وأتت دون معاناة، خسرتى سنوات العمر بين الكتب وفى سيارات الآجرة تتنقلين بين المحافظات بحثا عن العلم فى بلد لا يقدر فيها العلم وينقسم الناس بين مهمومون ومشعوذون، قمتى بتأجيل الزواج والانجاب، ولحقت بنهاية قطار الزواج كانت ميزتك التى جذبت العريس هى أنك تدرسين واكتشفت أنك تعيشين حياة المثقفين الباردة الخالية من الحياة ، تدخلين بيوت أقاربك فيمتلئ قلبك بالبهجة والفرح جراء صراخ الأطفال وصخبهم وضحكهم وشكوى الزوجات من أزواج يغارون أو يهتمون، فاذا عدتى لمنزلك وجدتيه باردا خاليا من أسباب الحياة، تسألين نفسك هل تعودين لم يعد هذا الخيار متاحاً فالعودة مستحيلة ؟ تتوقفين أم تكملين لم يعد ذلك يشكل أى فارق بعد مرور تلك السنوات فلن يحدث مالم يحدث من قبل ، وبعد كل ذلك تتساءلين هل كسبت أم خسرت يالحماقتك ظللتى تسخرين من سخرية من حولك منك ومن اختياراتك، وها هم يمضون فى الحياة سويا يضحكون سويا ويبكون سويا يواسون بعضهم ويتعايشون مع آلامهم يذيبون برودة الأيام بحرارة التجمع، ويخففون حرارتها بضحكاتهم وسخريتهم من كل شىء، لكنك أنت ظللت تسابقين نفسك ظنا منك أنك ستنجحين للوصول إلى ما لم يصل إليه الآخرون، بينما أنت تجرين وتجرين وحدك فى الاتجاه الخاطئ .

الأربعاء، 18 فبراير 2015

الوقوع فى البالوعة



بالأمس القريب كنت طفلة، أشترت لى أمى بيجامة جديدة بألوان زاهية رسمت عليها فتيات وزهور ملونة كانت قد اشترتها لى من بورسعيد، كنت فرحة بها جداً لم يكن عمرى  تجاوز الخامسة، كنا فى ليلة صيف دافئة وقد أصررت على ارتداء البيجامة للمرة الأولى والخروج مع والدى فقد كنت طفلة عنيدة، وقد وافقت أمى على مضض وذهبنا إلى السوبر ماركت لشراء بعض الأغراض وأشترى لى والدى حلوى وأخذت منه الباقى لأضع الحلوى فى يد والقرش كما كنت أدعو النقود فى اليد الأخرى ومشيت بجوار أبى وقابل أبى صديق له فاندمج معه فى الحديث ولم يلتفت إلى وانشغلت  أنا فى الحلوى والقرش ولم أفق إلا على أشخاص كثر يصرخون وأنا أبكى فى هلع وبيجامتى غارقة فى الأوساخ وأبى يحاول تهدتئى والناس يلقون عليه باللوم لتركى أمشى وحدى ولم أكن أدرك ماحدث سوى أن الحلوى والقرش ضاعا منى وأن بيجامتى الجديدة اتسخت وكنت خائفة من عقاب والدتى التى ما أن رأتنى حتى صرخت وانهالت على أبى بالأسئلة وظلت توجه إليه اللوم والعتاب والتقريع وهى تحممنى وتنظفنى وتبكى وفهمت بعد ذلك أننى كدت أغرق فى واحدة من البالوعات المفتوحة فى الشارع لولا عناية الله وإسراع الناس لنجدتى قبل أن تبتلعنى البالوعة، ورغم إنى وقتها لم أدرك ماذا حدث إلا أننى أصبحت أخاف كلما مشيت فى الشارع من الوقوع فى البالوعات المفتوحة.
كنت أعتقد أن ماحدث حدث لأن أبى أهمل مراقبتى وملازمتى أثناء خروجى معه وانشغل  بصديقه عنى، وكنت أنا الصغيرة كرست كل تركيزى على الحلوى والنقود، وأن شخصاً ما نسى إغلاق البالوعة دون عمد وأن ذلك الموقف لن يتكرر، ولكننى الآن بعد أن كبرت أدركت أن لاشىء يحدث مصادفة، وأن طريق الحياة ممتلىء بالبالوعات المتروكة مفتوحة عمداً وأننى أقع سواء اخترت الوقوع أم لا، وأن الوقوع فى بالوعة المجارى أرحم بكثير من الوقوع فى بالوعات الاختيارات الخاطئة والصحبة السيئة وعمل لا ترضى عنه وفساد فى كل شىء وأناس لا يهتمون لك، وأذى يلحق بك من ناس تثق بهم وتعتبرهم مقربين، وأن تكافىء بالندالة والتخلى عنك من أناس تدعمهم وتقف بجوارهم فى كل مواقف حياتهم.

الجمعة، 30 يناير 2015

عنوان ثابت



تعدى عمرى الستة عقود ولم أحظى بعنوان ثابت لمدة عقد واحد، وعلى ما يبدو أنه كان القدر الذى كتب على، تعودت طوال تلك العقود على وداع البيوت والشوارع والجيران والزملاء والمدارس والمعارف والمدن والدول، ظننت أن أسرتى السبب فى أن لا عنوان ثابت لى، لكنى اكتشفت أنه قدرى، لكن على ما يبدو أنى من كنت المسبب لكثرة انتقالهم، فقد قرر والدى عند زواجه بوالدتى استئجار شقة فى أحد الضواحى لانخفاض الايجارات فى الضواحى عن المدينة وخاصة انه خرج من الجيش بعد قضاء سبعة أعوام فى حرب الاستنزاف مفلساً، وعندما حملت أمى بى قررا الانتقال إلى شقة فى المدينة بعد استقرار أمورهما المادية، وبعد عدة سنوات نزل اسم أبى فى الإعارة فاصطحبنا معه، وهناك انتقلنا بين مدن اليمن وقراها حتى عدنا، واشترى أبى لنا منزلا كبيراً ولم نستقر به إلا بضعة سنوات، ثم قرر أهلى شراء منزل جديد فى وسط البلدة لآن المنزل الأخر كان فى أطراف البلدة وبعيد عن أماكن مدارسنا، ودخلت الجامعة فتركت منزل أهلى لأقيم فى المدينة الجامعية وخلال أربعة سنوات أقمت فى ثلاث مدن جامعية مختلفة، وبعد عودتى لمدينتى كنت قد قررت إكمال دراستى العليا ، فعدت مرة أخرى للجامعة فى المدينة البعيدة عن بلدتى وتركت منزل أهلى بعد إنقضاء الإجازة، عدت لنفس الجامعة ولكنى لم أعد لنفس المدينة الجامعية، وعدت مرة أخرى لمدينتى ولكن توظفت بإحدى المدارس فى قرية بعيدة وقمت بدراسة الماجستير على بلدة أخرى فكنت أقضى يومى فى الانتقال بين بلدتى وبلدة العمل وبلدة الدراسة وبلدة الجامعة، ولم أطيل الاستقرار فى بلدة العمل فتغيرت رغم مقاومتى وعدم رغبتى فى التغيير، ثم طال التغيير بلدة الإقامة فانتقلت مع أهلى لمدينة ساحلية وهناك عملت وسكنت وظل مكان الجامعة هو الثابت، ثم اشترى أهلى منزلا جديداً فانتقلنا له فقلت لوالدتى ممازحة بسخرية (أتركى أغراضنا فى صناديقها فلربما ننتقل بعد إخراجها وفرشها بعام)، وكأن القدر يسجل ورائى فلم تمضى سنتان حتى تزوجت فلملمت أغراضى فى صناديق وانتقلت بها لشقة زوجى فى نفس البلدة، ولأن زوجى يعمل بمدينة أخرى انتقلت للسكن معه وانتقل مقر عملى معى، ورزقنا الله بالبنت والولد، كما رزقنا بالسفر للخارج فقررنا السفر لتكوين مستقبل الأولاد، وانتقلنا بين البلاد العربية والأجنبية، وفى كل مرة كنا نعود لمصر كنا ننتقل لبيت جديد، وكنت أضحك فى نفسى وأتذكر عبارتى لوالدتى رحمها الله، وكبرنا أنا وزوجى وقررنا الاستقرار وتزوج ابناءنا ولم تمض سنوات قليلة حتى رحل زوجى، هاجمتنى الأمراض بعدها وانتقلت بين بيوت ابنائى ، وشعرت أنى أثقلت كاهلهم بعبئى ، وحسدت زوجى على رحيله المبكر، ثم قررت الانتقال بكرامتى  إلى دار مسنين ن رغم إدعائهم الرفض وادعائهم الغضب من موقفى ، واليوم أشعر إنى على مقربة من لقاء الرحمن ، طلبت من إحدى مشرفات الدار وضع أغراضى فى صندوق ، فسألتنى هل ستنتقلين لمكان آخر، أجبتها بنعم سأنتقل أخيرا لعنوانى الذى سيثبت ولن يتغير إلى يوم القيامة عليك التخلص من صندوقى وأغراضى فلعل من يقتنيها تنتقل إليه عدوى العنوان غير الثابت.