الأحد، 25 نوفمبر 2012

أحساس مرير



وريقات النتيجة لم تكن تشكل لها أى فارق فأيامها مشحونة بالعمل؛ فجأة تشعر أن هناك شيئاً ناقصاً فى حياتها، وتلتفت على غير العادة إلى النتيجة تتذكر عيد ميلادها،تحسب سنوات عمرها فتكتشف أنها تقترب من الأربعين، تشعر أن يومها خال، وتفكر ربما لأنه إجازة من العمل ، تفكر فى طريقة تسرى بها عن نفسها، تأخذ أجندة التليفون لديها الكثير والكثير من الصديقات والأصدقاء الذين طالما تمنوا أن تتحدث معهم، تتصل بهم، تحادثهم، جميعهم مشغولون بأشياء تخص أسرهم وعائلاتهم، تيأس من وجود شخص يسرى عنها ويخفف كآبتها التى تستشعرها، تذكرها أعذارهم واعتذاراتهم عن استكمال الحديث فى التليفون أو الخروج معها بالعائلة، وتهب واقفة لترتدي ملابسها، تنظر فى المرآة بتركيز شديد، متى كسا ذلك البياض شعرها الأسود الناعم الجميل! وتنظر إلى قسمات وجهها فى المرآة فتجد بريق الشقاوة وقد أنطفأ فى عينيها و أنطفأ لهيب الحماس آخذاً معه حمرة خديها، حتى قسمات وجهها كبرت بشكل رهيب،تتصل بأختها الوحيدة كل عائلتها المتبقية(اليوم إجازتي سآتى لأقضيه معك أنت والأولاد فلم أراكم منذ زمن بعيد).

 ترحب الأخت وينتهى الاتصال وتنزل مسرعة آملة أن ينتهى طيف الوحدة الذى يحاصرها، تركب سيارتها وتتجه لمنزل أختها وهى تشعر أنها ستسيطر على تلك الكآبة والإحساس بالوحدة تتلقى قبلات أختها وسلاماتها وتدلف إلى داخل المنزل وتستشعر الدفء وشىء أخر خاص لم تعرف كنهه وتفتقده فى منزلها الباهظ التكاليف، تستأذنها الأخت فى الذهاب إلى المطبخ لتعد طعام الغداء، فهذا موعد عودة أطفالها وزوجها، وتظل تلف وتدور حولها كالنحلة وهى تراقبها باندهاش؛ فلطالما اتهمت أختها بأنها متكاسلة وتهدر كيانها فى حياة تافهة فارغة، اليوم انقلبت الآية فحياتها فارغة وحياة أختها مشحونة للغاية، ويعود الأولاد والزوج، وتتناول الغداء مع عائلة أختها وهى تشعر بالغربة وسط هذا الحشد،فلا مجال لديها فى أحاديث هؤلاء الأشخاص بالرغم من لباقتها وأنها متحدثة جيدة، وبالرغم من ثقافتها العالية، إلا أن أحاديثهم كانت تحتاج إلى ثقافة وخبرة من نوع خاص لم تعرفهما أبداً، أما أختها فكانت تجيد إدارة الحديث بنفس سهولة إدارتها للمنزل، شعرت بالملل فاستأذنت أختها متعللة بموعد هام كانت قد نسيته، ودعتها أختها، خرجت وظلت تتمشى على الكورنيش الذى كانت تأتى له من زمن بعيد لتمنى نفسها، وتعد نفسها أمامه بالمستقبل الباهر الذى ينتظرها وأنها لن تتوقف مهما كان الثمن، وعندما تعود إلى منزلها طائرة على جناحى أحلامها، تستقبلها الأم بنظرات الحسرة وعدم الرضا عن موقف ابنتها من الزواج، وإنجاب الأطفال، تتذكر نفسها وهى تتأفف من أحاديث والديها عن (ابن الحلال والعرسان اللقطة وبيت العدل)، تنفعل بعد مناقشة حامية وتصرخ وتهرع إلى الخارج لتتخلص من إلحاحهم عليها بالزواج، وتقول لنفسها "الزواج ينتظر وإنجاب الأطفال يحتاج لأم ، والأم تحتاج لوقت، والوقت كله ملك لمستقبلى الكثيرات يتزوجن، والكثيرات ينجبن، ولكن لا أحد ينتظره مستقبل واعد كمستقبلى" والآن ستعود لمنزلها وحيدة، ولن تجد شخصاً ينتظرها أو يتلهف لمعرفة أخبارها أو أين كانت أو كيف جرى يومها؟ ولا شخص يهتم لأمرها إلا إذا كانت له مصلحة شخصية يريد منها إنجازها،أصبح مستقبلها باهراً وتحققت كل أحلامها، واسمها يساوى الكثير، وأمرها يغير الكثير أما هى كأنسانة.....
صعب جداً عدم وجود انسان يحتاج لانسانيتك ويشبع احتياجاتها فيعطيك من انسانيته أنه احساس مرير..."

السبت، 24 نوفمبر 2012

الأضواء القاتمة



"نجمة أنا فى سماء الشهرة تتلألأ فى سماء تمتلىء بالكثير من النجمات، لكنى غير سعيدة "هذه العبارة أرددها لنفسى دائماً وخاصة كلما تزداد شهرتى وتقل سعادتى وكأن سعادتى تتماشى عكسياً مع نجاحى وشهرتى،هل صح ما قالته أمى عنى "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، وإنى اتخذت الطريق الخاطئة للنجاح وأن البشر لا يستطيعون الحصول على كل ما يحقق السعادة فالسعادة فى الرضى والرضا بالمقسوم عبادة"، كنت اعتبرها أساليب لإرجاعى عما كنت أنتويه،آه نسيت أعرف بنفسى فأنا مذيعة أظهر كل يوم على شاشات التلفزيون أشهر من نجوم السينما يعرفنى الكبار والصغار، قدمت برامج هزت أرجاء العالم وتردد أسمى فى كل المحافل، واستعان بى كل المشاهير ورجال الأعمال،حتى الأمهات يرجون منى النصيحة لأبنائهم الصغار،يجلس الصغار والكبار أمام شاشات التلفزيون ليروا وجهى البشوش، فتاة أحلام الكثير من الشباب وصديقة لكل أمرأة ،وموديل يحتذى به لكل فتاة وسيدة مجتمع،أنا فى منتصف الثلاثينيات،هل تعتقدون أنى مبالغة معكم كل الحق لكنها حقيقة بلا مبالغات، تتعجبون من تعاستى، صعب أن تضع نفسك بين النجوم والمشاهير،وأن تسكن سماء الشهرة وتكون قمراً أرضياً ينير للأخرين الطريق وتكون نموذجاً يحتذى به من كل الفئات،يرى الجميع أنها معادلة صعبة،وأنا كنت كذلك لكنى قررت التضحية بالغالى والنفيس حتى أحقق نجاحى وشهرتى،ظننت أن فيهما تكمن سعادتى.

  فقد تخرجت من كلية الصحافة والإعلام،كنت مثال للفتاة النشيطة المجدة والمجتهدة ووفر لى اجتهادى الفرصة لعمل مقابلة مع أحد المخرجين الكبار سناً ومركزاً،وأعجب بى الرجل شكلاً وموضوعاً،عرض على التدرب معه لفترة حتى يقدمنى كمذيعة فى التلفزيون،وبعد انتهاء فترة التدريب التى كنا متلازمين فيها كالشخص وظله،أنتهى التدريب وقدم لى عرضان أحدهما للعمل والآخر للزواج، لم أستطع أن أرفض أى منهما لأن رفض الزواج معناه الدخول فى متاهة لانهائية، تفاهمنا بلغة عصرنا يريد زوجة يستمتع بوقته معها، وأريد شهرة ونجومية، تمت الصفقة برغم رفض أمى، وكتب العقد بدموع أمى المذهولة، وقرر هو أن يظل كل شىء فى السر لصالح الطرفين، اختار لى البرامج التى دفعتنى دفعات قوية كان يظن أنه يرضينى وبالفعل لقد أرضى تعطشى للنجاح،اصبحت مذيعة مشهورة وهو صانعى، بدأت أتململ من الوضع، أريد الظهور أكثر، ووجدت نفسى أصارح نفسى، أخذ ما أراد وأخذت ما اردت فليتركنى أبدأ حياتى،انفصلنا بهدوء،وبدأت ألمع ونسيت ما قد كان هكذا هى الحياة.

....بداية أخرى مع مذيع مشهور دائماً حياتى معه صراع ومقارنات بدأ يتحين لى الفرص ليهاجمنى بين الأصدقاء والمعارف له شخصية الطاووس يريد أمرأة ترضى غروره كنت ملكة لا أستطيع التنازل عن عرش مجدى من أجل هذا الطاووس، وتفاقمت المشكلة عندما خيرنى بين البقاء معه أو المجد والشهرة، هل جن! هل يعتقد أن فى الأمر اختيار، تركت له المملكة التى أراد أن يستعبدنى فيها ورحلت لأضوائى التى تساعدنى على التلألأ كنجمة.

....بداية ثالثة هذه المرة جذبنى خضوعه لى ومحاولته التقرب منى،أشعرنى بأنوثتى والحق يقال أنى اشتقت أن أعيش دور الزوجة المحبة والمحبوبة،أقسم أنى أردت هذه المرة أن ابتعد عن الصفقات أردت الحب والزواج والأمومة، كان معداً للبرامج توسمت فيه الحنان والرقة عوضنى فى لحظات ما افتقدته لسنوات ، كان طموحاً أعمانى الحب عن أى شىء سوى الزواج منه،أردت ذلك ولو كان أراد منى أن أتنازل عن عرشى لأكون خادمة فى بلاطه لتنازلت، تم الزواج أيام ساحرة وأسابيع تمر، ثم بدأت الصفقة تتضح تزوجنى ليستغل شهرتى ليصل فعلتها أنا فى الأول ففعلها هو بى، تحملت فنجاحه يسعدنى على أى حال كلما ساعدته طلب المزيد، حتى بدأ ينقلب على تعتقدون أنه أصبح طاووساً،لا بل أكثر بكثير أصبح سادياً،عاقبنى على نجاحى وأذلنى وفضح أسرارى وحطمنى وعرف النساء وخاننى بل تزوج من أخرى،كان يظهر معها فى الصحف، وأجهضنى، وطلبت الطلاق، وعدت محطمة لموضعى.

 بذلت كل جهدى لإستعادة إتزان عرشى المهزوز وعدت أملىء وجهى بالمساحيق، وأرتدى أفخر الثياب وأظهر فى البرامج التى تشكل صدى لدى الجماهير، وعاد الجمهور يرى ابتسامتى العريضة ويرانى نجمة متلألئة فى سماء الشهرة وبدأت تعود لى أضوائى التى طالما برعت فى إظهار قوتى وأنا تحتها ونجوميتى ، لكنها أبداً لم تظهر دمعة حسيرة قابعة فى عيناياى وحسرة داخل القلب من آثار فشلى فى حياتى الشخصية ،صدقت يا أمى فالأضواء التى تكشف سعادتنا للناس ولا تكشف لنا الطريق لمداواة جروحنا ومعالجة أخطائنا هى أضواء قاتمة ليتنى سمعتك منذ البداية.

الخميس، 22 نوفمبر 2012

الهروب من التابوت



(ليلة غير اعتيادية فلابد لى فيها من إتخاذ قرار، ليست المرة الأولى التى أكون على وشك إتخاذ قرار مصيري فى حياتى، ولكنها الليلة الأولى لإتخاذ قرار بالخسارة، قرار يستوجب منى الإعتراف بالفشل، ولست ممن يحبون الفشل، ولا يستسلمون له، وتلك السمة الشخصية هى ما أخرت إعترافى بالفشل، وهى ما تجعلنى أتردد فى إتخاذ القرار) هذا ما قالته فى حوارها الذاتى مع نفسها، لكنها أيضاً تحاول التوصل للسبب الرئيس فى ان تكون على وشك الحصول على لقب فاشلة لأول مرة فى حياتها، ضحكت فى نفسها، فكم من مرة انتقدت كل من تشكو من صعوبة الحياة الزوجية وإستحالة الحياة مع شريكها الذى اختارته لنفسها، وكانت تسخر منهن وتقول: يبررن الفشل بأن الأزواج مخادعين، لكنهن خدعن أنفسهن بأنفسهن ولم يقعن فريسة للخداع من أحد، وكن ضحايا قراراتهن ولم يكن لا ضحايا الأزواج ولا المجتمع، حكمت على الآخرين فعليها أن تقبل ذات الحكم على نفسها، فبالتأكيد لم يخدعها فعندما تقدم لها كانت فتاة فى الثلاثين من العمر، لم تكن غرة أو ساذجة، بل تعرفت على العالم والحياة وكانت صاحبة قرار، وكانت تأخذ قرارها دائماً وتصر عليه، تعلمت تثقفت اختبرت العديد من التجارب المؤلمة التى جعلت عودها صلباً، لكنها فجأة قبل ارتباطها به أحست بالأغتراب وبفقدان الهوية، وبأن هناك شيئاً مختزلاً فى روحها، كانت بين خيارين أما الهجرة فتكمل الإغتراب الاجتماعى بالغربة، وأما محاولة إذابة ذلك الإغتراب بعكسه فى شكل الإندماج بالآخر، كانت شلالا من الطموح ونهراً جارياً مفعماً بحب الحياة يصب فى أتجاه المستقبل الواعد الذى يتمناه أمثالها، وكان كالمصب هادئاً راكداً إذا نظرت لعينيه وجدت بريق الحياة وقد أنطفأ، بينما هى عيناها مشتعلة بالحب وبالغضب وبالفضول وبالرغبة فى المزيد، ترددت لكن المجتمع الذى رغبت بالبقاء فيه دفعها، بررت لذاتها أنها ستتكامل معه فبرغم أختلافهما إلا أنها ستستطيع بذكائها الاستفادة من كل نقاط الاختلاف والإتفاق وفى النهاية لن تجد تؤأم الروح إلا فى القصص الرومانسية التى تبدأ وتنتهى بالزواج ولا أحد يروى كم الشجار والمعارك بين الزوجين بعد الزواج المبنى على الرومانسية كقلعة على شاطىء البحر، بنت قلعتها على أرض صلبة، اختيار العقل، ما زاد من اقتناعها أنها انتظرت لسنوات وسنوات ذلك الفارس الذى يخطف لبها ولم يظهر ، لم تكن متطلبة ولكن الحياة ضنت عليها به، نصحها القليل من أصحاب الخبرات السابقة والمجربين لذلك النوع من الزواج بأنها لن تنجح فشخصيتها لا تستطيع التوؤام مع مثل ذلك الزواج وستظل تعانى، نهرتها أمها التى كانت تود وتتمنى أن تراها فى ثوب الزفاف قبل موتها ليستريح قلبها من وجعه وليهدأ عقلها من كثرة التفكير فى مصير تلك البنت المتمردة التى تعرف أن المجتمع لن يصدق أن ما عطلها فقط هو عدم الاقتناع.

فى النهاية لبست ذلك الخاتم الغريبة أنه اختار له سوارا كرهته منذ اللحظة الأولى، لكن ما الفرق كل شىء يتم دون اقتناع، لم تكن تريد اختبار حبه بالكثير من الطلبات مثل الفتيات الأخريات، كانت مؤمنة بالبساطة، لكن ما أثار دهشتها أنه لم يكن مهتماً بالتفاصيل، وأستغل ذلك فاعتقد انها كمثلها ترغب بالزواج للستر، لم تحظ بهدية منه أو وردة أو دبدوبا أو قلبا أحمر، تسولت منه المشاعر، فإن لم تأخذ ما تحب فلتحب ما فرضه القدر عليك، كانت على يقين أنه لم يكن هو، و عدم الزواج كان افضل من هكذا علاقة مبتورة ومشوهة، ترك لها ابيها الخيار وامها تدخلت بكل خبرة وحكمة السنوات ومعرفتها الجيدة بنقاط ضعف ابنتها، وبما يدور فى عقلها، حاولت أن تفرح لكنها لم تشعر بالتعاسة يوماً قدر ما شعرت فى فترة الخطوبة التى كانت تحدثها عنها الصديقات على أنها اكثر المراحل فى عمر الفتيات فرحاً ورومانسية ، وأنهن يعشن ويتحملن مرارة الزوج بحلو الذكريات فى فترة الخطوبة، أما الأخريات من الصديقات فقد كن جربن كل شىء فلم يعدن بحاجة لرومانسية بل للستر وبيت العدل واللحاق بالقطار، هى لم تكن أياً من النوعين، كان رجلا طيباً يكثر الكذب، بخيلاً فى كل شىء، يصب على الآخرين كل العيوب ليبرىء نفسه من أن يكون معيوباً، لا يستمع لا يتكلم لا يشعر، كان كما يقول لها عشت أكثر من اللازم كانت تشعر أنه ميت، لكنها عنيدة اعتبرته اختباراً لها ولقدرتها ومحكا جديدا وحقلا تختبر فيه قدرتها على التغيير والتعديل صدقت أمها حين قالت :(لما يتجوز هيتغير)، وبعد الزواج اكتشفت الكارثة، أنها اعتقدت انه من بنى البشر لكنه انسان آلى مريض بمرض الانطواء وحب العزلة، خائف من الآخر، أنانى لا يرى إلا بعيونه التى لاتعرف الفرق بين الحياة والموت.
اتفقت معه قبل الزواج على ثلاثة أشياء لا يفعلونها أبدا لبعضهم البعض (الإهانة والخيانة والأشياء التى تغضب الله)، وهاهو قد هانها بأن هان أنوثتها عندما اعتقد انها شىء اقتناه لمجرد أن يصبح زوجاً ويضعها فى مخزن تنتظره حين يقرر اللعب أو اللهو به والاستفادة من مواهبها، أما الخيانة فهو بالطبع قد خانها فقد كذب عليها فى كل شىء قال لها أنه يحبها والأموات لا يحبون، قال له انه سيحاول ان يسعدها وهاهى تتجرع كئووس التعاسة من مرارة الوحدة وذل الإهمال وهوان النبذ، قال انه لن يغضب الله ولكنه تركها كالمعلقة لا هى متزوجة ولا هى مطلقة تركها كالشقة التى اشتراها ليعود اليها حينما يريد او ينتهى من حياته الأخرى ، بل نفى وجودها بل الأكثر صارت تستمع لمحادثات وأناس يعرضون عليه عرائس ليتزوجهن لأنه أخفى على الجميع خبر زواجهما، وكان يعتذر بحجة وعكته الصحية، تحملت طباعه الغريبة، نفوره غير المبرر،أنانيته الشديدة، نسيانه لها وكانها بنطلون أو قميص نسيه فى أسفل دولاب الملابس ، أقتحمت مجال عمله لتلفت انتباهه لتشاركه ما يحب، لتوجد أسباباً مشتركة، كلما زاد نفوره حاولت الالتصاق به لعله يتعود عليها إن لم يستطع حبها، ولكن ذلك لم يجدى نفعا وإن كان النصح يجدى مع سكنى القبور لكانت لدموعها واستجدائها نفع، والآن عادت لقائمة الأولويات لديها فلن تحاول المزيد ولن تصدق انها الفاشلة فهو من قد فشل فى التواصل مع الأحياء أما هى فلأنها حية وتشع حياة فقد فشلت أن تدخل برغبتها طواعية لعالم الأموات، ستطلب الطلاق وتنطلق ربما تجد رجلا يقدر لها أنها انسانة كيان يمتلىء بالمشاعر وينبض بالرقة والرومانسية ويحترم حقوق الآخر ولكن ليس على حساب نفسه، حتى ولو لم تجد فلقب مطلقة وإن كان المجتمع يعتبره عاراً أفضل بمراحل كثيرة جدا من البقاء فى تابوته لأنتظار الليالى القمرية التى لا تأتى أبداً، نعم هى تقر لنفسها الآن أنه كان هناك مسافة فاصلة بين رجل طيب تسهل معاشرته ورجل ميت لا يستطيع إلا معاشرة نفسه فقط، وإن كانت غضت الطرف عن تلك المسألة الهامة وأوهمت نفسها أنه لا فرق، فالمسافة الآن واضحة بين كونها فاشلة فى نظر المجتمع على أن تحيا حياة طبيعية، وكونها ناجحة فى نظر المجتمع وهى تموت فى كل ثانية، لم تكن تقطن معه لا فى نفس الشقة ولا فى نفس البلد ورأت أن لا تعطله عن عمله وتعرض نفسهها لترهاته فى حوار خالى من الحياة ككل شىء أحسته منه، فعقدت عزمها وتركت له ورقة (خرجت من التابوت وعدت لعالم الأحياء ولن أعود لعالم الأموات مرة أخرى تركت لك كل ما اعتقدت أنه يغرينى بالبقاء فاستمتع به أو أجلب رهينة أخرى لتسجنها فى تابوتك)، عاد من عمله بعد غياب دام 15 يوما ليجد كل ما اقتناه على حاله حتى ما اشترته هى لتعطى للبيت رونقاً وجمالا إلا أنها لم تكن موجودة قرأ الورقة حاول الاتصال بها تليفونها مغلق أتصل بأهلها للمرة الأولى، ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن الموضوع برمته، وفى النهاية لم يجد بدا من الدخول لينام كعادته كل ما كان يعتريه من غضب كان بسبب أنه تحمل معاناة السفر لمدة 3 ساعات ليرضيها وهى كانت سيئة لتحمله تلك المعاناة دون أن تخبره تليفونياً لربما كان بقى فى مكانه ولم يسافر نام وهو يعتقد أنها ربما ستعود فهى دائما ما تغضب وتعود ولكنها لم تعد أبداً وظل وحيداً فى تابوته.

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

نهر الألم



(نعم أنجبتك ولست نادمة بعد كل ما فعلت بى)قالتها وعيناها تذرفان الدمع ويحترق قلبها من شريط الذكريات الذى يمر أمام ناظريها، ويحجب عنها منظر ولدها الذى فطر قلبها بجحوده، والذى يقف أمامها كالجلاد يلقى بكلماته كالسوط الذى يلهب ظهرها ويألب عليها أحزانها، أكملت حوارها رداً على كلماته اللاذعة واتهامه لها بالقسوة والاهمال في حقه والبخل عليه في المشاعر والمال بل وكرهه وأنها السبب وراء ما آلت إليه حاله،  قالت له والمرارة سكيناً تلم تذبح روحها فينزف القلب وتقطر الذكريات الأليمة من عقلها الذى لم يعد يعى كيف أن ابن رحمها هو ذاك الوحش المنتصب أمامها، قالت عبارات بصوت مخنوق: (إن كنت تعتقد أنى أم ظالمة فلن أعترض لكن ماذا تنتظر من إنسانة ظلمها المجتمع حتى طحن عظامها الظلم، وإن كنت ترى إنى مهملة فلن أجادلك ولكن ما عانيته من إهمال جعلنى ذليلة لا أقوى على رفع بصرى إلى مستوى أعلى من قدمى، وإن كنت تعتقد إنى مستهترة فلم يكن لدى شخص واحد يتحمل المسئولية لأتعلم منه، فقد ولدت فى أسرة فقيرة لأب موظف ضعيف الشخصية وأم فوق جهلها تصب تسلطها وسخطها على المجتمع فى شخص زوجها وأولادها وكأنما الحياة أوجدت تلك التركيبة لتساعد فى إيجاد من هم أمثالى وعلى شاكلتى، كنت أصغر أخواتى الثمانية، وكان هناك  فى ذلك الجحر الصغير أقصد بيتنا الذى لا يزيد عن غرفتين وصالة 3 أبناء ذكور وخمس بنات وبفضل ترتيبى الذى لم أختره كما لم أختر أى شىء أخر فى حياتى، كنت أنام تحت الأقدام وألبس البالى من ملابس أخواتى وأقوم على خدمتهم وأتحمل ضربهم وأهانتهم، لم أحظ يوماً بضلفة دولاب أو رف فى ضلفة، لم أحظ بوقت أستطيع أن أنفرد فيه بنفسى حتى داخل الحمام ، فبما أنى كنت الصغيرة فقد كان من المعتاد ان يستخدم الجميع الحمام فى وقت استحمامى فيه دون خجل منى أو وجود اعتبار لخجلى منهم وأنا عارية، كما تعودت أحياناً أن يكون استحمامى جزء مستقطع داخل استحمام اى من أخواتى ويتم إلقائى خارجا لأكمل إرتداء هلاهيلى، لم يكن لدى مصروف لأشترى به الحلوى، حتى المدرسة تزوجت أخواتى ليهربن من منزلنا ولإنى كنت أصغرهن فقد كان لزاماً أن أنقطع عن المدرسة لخدمة أهل المنزل بدلا عن أمى التى أنهك صحتها كثرة الصراعات مع أبى وأخوتى ذكوراً وإناثاً، أما انا فقد كنت مجرد غلطة تندم عليها كل يوم وتروى لى كيف أنها حاولت التخلص منى مراراً إلا أننى كنت كلزقة إنجليزى ، وإنى زدت من عبئها وهمها وحمل الأسرة المنكوبة، وكأن السبعة الآخرون جاءووا  برزقهم أما انا فكنت وش نحس، مات والدى عائل الأسرة وهرب الذكور خارجا والإناث إلى بيوت الأزواج وظللت أنا لأتحمل تسلط أمى الذى تضاعف مع شيخوختها وهرمها ، وكانت فرصى فى الزواج ضئيلة فقد كنت فتاة فقيرة، لا ينظر إلى رجل إلا ويسألنى :(بتخدمى فى بيت مين يا شاطرة )، ولم يكن لدى من المؤهلات الشكلية أو العلمية ما يؤهلنى للحصول على زوج ينقذنى من هذا البؤس فكما حرمتنى الأقدار من العديد من الأشياء فلم أكن جميلة كبقية أخوتى حتى أننى كنت أصدقهم عندما يعايروننى بأنى أكيد لقيطة، وزاد من بؤسى صعوبة الحصول بكل تلك النقائص على وظيفة تسمح لى بالصرف على نفسى وعلى أمى المريضة ذات اللسان اللاذع الذى كانت تستخدمه كسياط تلهب به عزيمتى كلما خارت قواى فى البحث عن عمل، وأخيراً فرجت فى محل خردوات صغير عند تلك الناصية رجل عجوز غير مريح إضافة إلى بخله ونظراته التى تشع فسقاً وفجوراً رضى بأن يوظفنى  بملاليم، ثم قبل أن يزيد مرتبى على أن أعطيه ماهو أكثر من العمل الشاق بعض المتعة، رضيت ؛لم يكن ذلك بالنسبة لى طريقاً للرذيلة بل كان حلا والسلام فقد كان البؤس يحاوطنى من كل جانب ولم يكن هناك من يرعانى أو ينصحنى، وبعد أن جعلنى عشيقة حولنى لساقطة كان هو قوادى ومن عجوز لعجوز حتى أننى كنت أمنح نفسى للشباب مجاناً لأتذوق طعم العلاقة الحقيقة برجل من كثرة معاشرتى لشيوخ أشبه بالجثث منهم بالأحياء، لم تسألنى أمى كيف أحضر ذلك المال، ولم يسأل أخواتى كيف أصرف أمورى أنا وأمى ولم أسأل نفسى ماهو الغد الذى ينتظرنى، حتى جاء يوم وجدت قوادى يسوقنى لرجل هو فى الحقيقة زوج واحدة من أخواتى هلع وهلعت وبعد برهة عرض على أن نكمل وكأننى لا أعرفه ولا يعرفنى هو ،صعقنى ما قاله لكننى ولأول مرة أدرك ماهو الأغتصاب فقد كان منتشياً واعداً بإقامة علاقة وقد دفع ثمنها لقوادى فلا مناص أن يعود عما أنتوى لأى سبب خاصة لو كان سببا أخلاقياً فلا أخلاق لديه، وبعدها لم أعد أطيق تلك الحياة ولا تلك البلدة ولا تلك العائلة تركت كل شىء وهربت بمبلغ أدخرته ذهبت حيث الزحام فى عاصمة تتوه فيها السيرة الذاتية للأشخاص ولا يعرف عنهم إلا الماضى الذى ينسجوه حول أنفسهم، أجرت غرفة صغيرة وأخبرت صاحبة العقار أننى من أسرة محترمة مات الوالدين فى حادث سيارة وأراد عمى أن يزوجنى رغماً عنى فقررت الابتعاد عن بلدتى وأسرتى وتركت له ميراثى، ونشرت صاحبة العقار تلك القصة عنى فأحترمنى الجميع وتعاطفوا معى، ووجدت عرضين واحداً بالعمل والآخر بالزواج من نفس الشخص وقبلت وبعد الزواج اكتشفت أنه يعانى من عجز يمنعه من الزواج والإنجاب ، الحقيقة أننى فرحت فلم يكن مبتغاى من الزواج إقامة علاقة بعد ما وصلت لمرحلة العقدة من العلاقات من كثرة ما عانيت ولم أكن أرغب فى الإنجاب فلم أكن أشعر بالأمان لأوهبه لطفل ، بل كنت أرغب فى الستر وأن أجد من يرعانى وأحتمى به وأنسى معه كل ما مررت به لكنه كان من أحقر البشر فقد أستغل معرفته بماضى الذى حاولت حجبه لكنه تكشف رويداً رويداً رغما عنى، ساورته الشكوك فتتبع أنفاسى وأذاقنى الذل والهوان ثم ألقى بى فى عرض الطريق بعد أن اتهمنى بالخيانة عندما هددته بكشف عجزه إن لم يكف عن إذلالى، كنت تعرفت أثناء زواجى به على فتاة كان الحى ينبذها بسبب عملها كلبيسة لإحدى الراقصات وطردوها من الحى لكننى كنت من أشد المتعاطفين معها ساعدتها فى الخفاء فقد كنت جربت مرارة النبذ والطرد ولذا لجئت لها رحبت بى وحتى لا أشعر بالملل قررت اصطحابى للملهى لأفرج عن نفسى وأتلهى عن مصائبى وربما وجدت لى عملا معها وهناك رآنى صاحب الكباريه فعرض على العمل كجليسة للزبائن فى الصالة فوافقت رغم اعتراض صديقتى ولكننى لم أكن أرغب فى أن أثقل عليها فعندها من الأعباء والآلتزامات ما يغنيها عن تحملى كعبء إضافى ،  وتكررت المأساة فمن جليسة إلى جرسونيرة ، لكن المأسأة تبدلت فقد ترقيت عندما فاقت سمعتى الكباريه الحقير الذى كنت أعمل به فتحولت للعمل بكباريه أرقى أى يدخله أثرياء الزبائن وخاصة من العرب وعملت رفيقة للزبائن طوال مدة أقامتهم، كنت أعتقد أن البقاء مع نفس الرجل مدة شهر أو شهرين أفضل من التنقل بين أحضان الرجال كل ليلة، ولكن حتى ذلك السقوط المدوى لم يطل، فقد وقعت ذات مرة فى رجل سادى مريض ضربنى حتى شوهنى وألقى بى فى عرض الطريق كانى حشرة، أنقذنى طبيب فى منتصف العمر وجدنى غارقة فى دمائى فأخذنى وقدم لى الرعاية الطبية وساعدنى ، وكان اليد الرحيمة التى أرسلها لى القدر عشت معه من الشهور ما جعلنى اتعافى من كل جروح جسدى وروحى، واستفقت أنا وهو على حدث جديد فإذا بى حامل، الغريب أنه أظهر فرحه بحملى ووعدنى بتدبير الأمور للزواج لينشأ أبننا فى جو شرعى، ووعدته بالحب والإخلاص وان أكون زوجة وأماً صالحة، ولكنه طلب منى أن أنتظر حتى يعود من مؤتمر علمى كان قد قرر السفر إليه، صدقته ثم سافر ولم يعد ولم يرسل لى حتى خطاباً حتى جاء صاحب الشقة ذات يوم وطلب منى الإيجار وتراكمت على الديون وكنت قد انتفخت كالبالون، عملت كخادمة، وكدادة فى حضانة و مندوبة مبيعات وفى النهاية جئت انت حاولت التمسك بكل الفضائل حتى أكن أما صالحة وإن لم أستطع أن أكون زوجة صالحة فلعلى أنجح فى كونى أماً  صالحة ولكن النفقات زادت وخاصة عندما لم يمهلنى القدر لأتخلص من قذارتى وأتطهر من ذنوبى فعاقبنى باكتشاف أن لديك عيب خلقى فى القلب سيمنعك أن تعيش كطفل طبيعى ومن الممكن أن يقضى عليك، عدت للمهنة الوحيدة التى تدر المال، لكن الحياة كانت قد علمتنى كيف استغل وحلى لأبعدك عنه فعشت كالنار اجتذب الفراش واحترق واحرقهم بنارى وقمت بمعالجتك وتجهيز منزل جيد لك وادخالك مدرسة داخلية لتتعلم جيدا بعيدا عن القذارة التى كنت اعيش فيها حتى اذا ما تخرجت انت كنت رجلا جيدا يعيش حياة جيدة، بخلت عليك بالمكالمات والزيارات نعم حتى لا يعرف اى شخص انك ابنا للداعرة فيعايرونك، بخلت عليك ببعض المال لأدخره لك ولى حتى إذا ما صرت رجلا اخذتك وهربت بعيداً واعتزلت الوحل وعشت حياة الطهر معك دون ان تحتاج الناس أو تحتاج لمن يساعدك فيستغلك الناس، بخلت عليك بالحنان لكنه كان يمزقنى من شدة اختزانى له ، وما كان يمنعنى من إغداقه عليك هو اننى خفت ان تشتم من أنفاسى رائحة الخمر والرجال السكارى الذين يدفعون لقاء معاشرة أمك ثمن أكلك وشربك وثيابك وتعليمك، الآن وقد صرت رجلا وقادر على الاتهام قل لى ما هى عقوبتى ، ارتسمت ملامح الهلع والجزع من هول ما يسمع ذهب ناحية الشرفة ورمى نفسه من الدور السابع عشر فلم تجد بدا من اللحاق به.

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

المرغمة



المرغمة
استيقظت من نومها كعادتها منذ زمن طويل رغماً عنها لتذهب إلى عملها التى قد ملت منه كثيراً،ولكنها تذهب مرغمة فحاجتها لشغل الفراغ ورغبتها فى تأمين دخل ثابت لها أرغماها على ذلك،تستقل سيارة ميكروباص إلى مكان عملها البعيد عن منزلها،يستغل السائقون صغر جسدها ونحولته ويحشرونها فى أماكن غاية فى الضيق،تتألم من هذا الوضع لكنها تسكت مرغمة حتى لاتسمع من الركاب والسائق مايسىء إليها،تصل لعملها وتقوم بتنفيذ أوامر معظمها متناقض والآخر غاية فى الغباء لكنها تعبت من الجدل ومن النقاش فاعتادت أن تتقبل الأوامر على مضض وهى صامتة تنفذها كالآلة بلا روح،منذ تخرجت كانت تأمل أن تعمل عملاً يناسب طاقاتها وقدراتها المبدعة،ظلت تبحث عن الفرصة حتى تعبت ثم جلست تنتظرها حتى ملت كانت متمردة فى البداية على أوضاعها لكنها أصبحت مستسلمة لقدرها،أدركت أن تغيير قدرها ليس بيدها،حاولت نقل اهتمامها على أشياء أخرى ربما وجدت متنفساً لروحها الخلاقة ،لكن أحلامها تكسرت على صخور وعقبات وقفت حائلاً بينها وبين ما تريد،كانت وحيدة وحدتها معنوية لاتجد شريكاً أو رفيقاً لعالمها يكون مختلف عمن حولها،انتظرت أن تتحقق أحلامها على يد فارس الأحلام لكنه تأخر كثيراً كثيراً حتى أصبح حلماً ليس إلا،وفى النهاية تقدم لها شخص لا يناسبها فى شىء على الإطلاق فهو يكبرها بسنوات كثيرة غير طموح،غير رومانسى لايوجد بينهما أى عامل مشترك،رفضته وآثرت العنوسة على الزواج من مثله فوجئت بعاصفة هوجاء من الكلمات والنقد والتعليقات اللاذعة والمؤلمة والتى ذكرتها بكل تجاربها الفاشلة فى تحقيق أحلامها،حاولت أن تقاوم لكنها لم تستطيع ،أرادت أن تخرس الألسنة التى جعلت منها قصة يتلهى بها الأقارب والمعارف كانت تجد كل البشر من حولها يتدخلون فى هذا الموضوع حتى اعتقدت أنه موضوع قومى ومطلب عام،ارادت أن تحتفظ بالباقى من كرامتها المبعثرة،وحياتها التى اصبحت مباحة للجميع وخصوصياتها التى انتهكت،ارادت أن تخرس العيون التى تنظر إليها مرة بازدراء ومرة باتهامات باطلة،ارغمت على الموافقة أعلن الفرح ووجدت نفسها تحت سقف واحد مع كائن لا تقبل منه شىء دبت المشاكل بينهما كان أهلها ومعارفها وأقاربها وحتى الصديقات يرغمنها على العودة إلى سجن الزوجية مع ذلك الكائن،حتى حدث الحمل دون تخطيط أو حتى شعور بالرغبة منها لكنها فجأة بدأت تشعر أنها سعيدة وبدأت تولد داخلها الأحلام من جديد وربما سيعوضها ذلك الطفل عما فقدته وارغمت عليه ،حتى دخل المنزل ذات مرة وافتعل مشكلة تافهة كعادته وأنهال عليها ضرباً نقلت على أثار ذلك الضرب من المستشفى لتفيق من البنج وتعلم أنها فقدت أخر أحلامها ،ظلت صامتة وهى تستمع لكل من حولها وهم يتوسلون إليها أن تصفح وأن تعود إلى بيتها وزوجها فهو قد وعد أن لا يعاود الكرة مرة أخرى،رغبت من داخلها فى الموت بشدة،وماتت بعد إجهاضها بثلاثة أيام فسر الأطباء موتها على أنه نتيجة خطأ فى العملية أو ربما حزناً على طفلها المفقود،لكنها أخبرت أهلها ساعة الوفاة بأنها سعيدة لأنها ستحقق أخيراً ولو أمنية واحدة ونطقت الشهادة واستقبلت الموت بفرح وفاضت روحها للخالق.