الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

نسيم الذكرى




استيقظ ككل صباح أرتدى ملابسه العسكرية نزل وأدار محرك سيارته،ألقى بتحية الصباح المعتادة فى اقتضاب لكل من يعرفه قبل أن يتحرك بسيارته، كان قد بات ليلته مؤرقاً لا يعرف كم مضى وما تبقى لكنه يعرف أن حياته منذ سنوات عديدة تسير كالقطار على قضيبين لا تخرج عنهما لكنه لا حيلة له فى الأمر لابد أن يستمر شاء أم آبى،الوحدة تؤرقه وتقضى على مضجعه،يحتاج لإنسان يؤنس وحدته المعنوية لكنه لا يجد، كثيراً ماحدثته أمه الطيبة بلهجتها الحنون(يا ابنى نفسى تلاقى بنت الحلال اللى تجوزها وتاخد بحسك) يرن صوت أمه فى أذنيه يستفيق من معاركه الداخلية على إشارة مرور تستوقفه،اعتاد نفس الطريق منذ فترة حتى أصبح يعرف مواعيد الإشارة قبل أن يصل لمكانها،يظن أن وقوفه فى الإشارة قد طال يلعن فى سره سوء التخطيط كيف يكون المترو والسيارات فى نفس الطريق، يلقى بنظرة متأففة على المترو، تستوقفه عيناها يشعر أن الأرض تميد به،يدعو ربه أن يتوقف عمره كله عند تلك اللحظة بل تتوقف الحياة كلها يستفيق من ذهوله على صوت أبواق السيارات كأنها أبواق يوم الحشر قطعت عليه لحظة لا يعتقد أنها ستكرر، أقسم فى باله أنها هى لابد أنها هى نفس عيناها التى كانت تغرقه فى بحور من النشوى والحنان لهما نفس اللون الدافىء الذى يشعره بحرارة الصيف حتى مع قسوة الشتاء وبرودته، وإن أختلط الأمر على عيناه هل كان قلبه سيخطىء لم يحقق تلك الخفقات إلا عند رؤيتها، رؤيتها هى فقط،.

ظن أنه لو أقترب منها لشم عطرها،وأشتاق فى نفسه لسماع صوتها كان يتوه بين النغمات التى تصدر من بين شفتيها تذكر دلالها الذى كان يحمله لروضة من رياض الجنة وهى تناديه باسمه،أحس الألم يعتصر قلبه،اشتاق لرنين ضحكتها الذى كان يحول عالمه لعيد، كان بين يديها كالطفل ،وكانت تملك حناناً يشمله ويشمل عالمه، تذكر تلك الأيام وأعتصر الألم قلبه فقد ماتت من حياته منذ أمد بعيد،ولكنها لم تمت من قلبه، فكيف تموت من قلبه وهو يحبها منذ ولد أو قبل أن يولد ،أحتار فى أمر ما حدث،وصل لمقر عمله قام بما اعتاد عليه لاحظ الجميع أنه على غير طبيعته، وأنه لابد أن يكون غاضباً أو مستاءً من أحد منهم لكنهم خشوا أن يصارحوه، وآثروا الصمت حتى تتكشف الحقيقة، لم يلاحظ نظراتهم ولا همسهم فقد كان سارحاً بفكرة فى غير عالمهم أو زمانهم يفكر فى صاحبة العيون التى أشعلت النار التى ظل سنوات يحاول إخمادها لقد كانت حبيبته ومعشوقته كانت كل ما يبغى ، اختطفت منه مرتين مرة بالزواج من آخر وهذا مأتمها الأول من حياته،ومرة أخرى عندما أختطفها الموت من العالم الذى يحيا به،حاول جاهداً إخماد الذكرى ولكن شاء القدر ان يبعث له بنسيمها فى ذكرى أول يوم تقابلا فيه،استفاق على صوت يسأله(مش تروح يا فندم ميعاد المرواح فات يا باشا من بدرى ،هو فيه حاجة ساعتك)نظر إليه نظرة خاوية كمن ينظر فى فراغ سحيق ترك مكتبه ورحل مع نسيم ذكراها.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق