الخميس، 22 نوفمبر 2012

الهروب من التابوت



(ليلة غير اعتيادية فلابد لى فيها من إتخاذ قرار، ليست المرة الأولى التى أكون على وشك إتخاذ قرار مصيري فى حياتى، ولكنها الليلة الأولى لإتخاذ قرار بالخسارة، قرار يستوجب منى الإعتراف بالفشل، ولست ممن يحبون الفشل، ولا يستسلمون له، وتلك السمة الشخصية هى ما أخرت إعترافى بالفشل، وهى ما تجعلنى أتردد فى إتخاذ القرار) هذا ما قالته فى حوارها الذاتى مع نفسها، لكنها أيضاً تحاول التوصل للسبب الرئيس فى ان تكون على وشك الحصول على لقب فاشلة لأول مرة فى حياتها، ضحكت فى نفسها، فكم من مرة انتقدت كل من تشكو من صعوبة الحياة الزوجية وإستحالة الحياة مع شريكها الذى اختارته لنفسها، وكانت تسخر منهن وتقول: يبررن الفشل بأن الأزواج مخادعين، لكنهن خدعن أنفسهن بأنفسهن ولم يقعن فريسة للخداع من أحد، وكن ضحايا قراراتهن ولم يكن لا ضحايا الأزواج ولا المجتمع، حكمت على الآخرين فعليها أن تقبل ذات الحكم على نفسها، فبالتأكيد لم يخدعها فعندما تقدم لها كانت فتاة فى الثلاثين من العمر، لم تكن غرة أو ساذجة، بل تعرفت على العالم والحياة وكانت صاحبة قرار، وكانت تأخذ قرارها دائماً وتصر عليه، تعلمت تثقفت اختبرت العديد من التجارب المؤلمة التى جعلت عودها صلباً، لكنها فجأة قبل ارتباطها به أحست بالأغتراب وبفقدان الهوية، وبأن هناك شيئاً مختزلاً فى روحها، كانت بين خيارين أما الهجرة فتكمل الإغتراب الاجتماعى بالغربة، وأما محاولة إذابة ذلك الإغتراب بعكسه فى شكل الإندماج بالآخر، كانت شلالا من الطموح ونهراً جارياً مفعماً بحب الحياة يصب فى أتجاه المستقبل الواعد الذى يتمناه أمثالها، وكان كالمصب هادئاً راكداً إذا نظرت لعينيه وجدت بريق الحياة وقد أنطفأ، بينما هى عيناها مشتعلة بالحب وبالغضب وبالفضول وبالرغبة فى المزيد، ترددت لكن المجتمع الذى رغبت بالبقاء فيه دفعها، بررت لذاتها أنها ستتكامل معه فبرغم أختلافهما إلا أنها ستستطيع بذكائها الاستفادة من كل نقاط الاختلاف والإتفاق وفى النهاية لن تجد تؤأم الروح إلا فى القصص الرومانسية التى تبدأ وتنتهى بالزواج ولا أحد يروى كم الشجار والمعارك بين الزوجين بعد الزواج المبنى على الرومانسية كقلعة على شاطىء البحر، بنت قلعتها على أرض صلبة، اختيار العقل، ما زاد من اقتناعها أنها انتظرت لسنوات وسنوات ذلك الفارس الذى يخطف لبها ولم يظهر ، لم تكن متطلبة ولكن الحياة ضنت عليها به، نصحها القليل من أصحاب الخبرات السابقة والمجربين لذلك النوع من الزواج بأنها لن تنجح فشخصيتها لا تستطيع التوؤام مع مثل ذلك الزواج وستظل تعانى، نهرتها أمها التى كانت تود وتتمنى أن تراها فى ثوب الزفاف قبل موتها ليستريح قلبها من وجعه وليهدأ عقلها من كثرة التفكير فى مصير تلك البنت المتمردة التى تعرف أن المجتمع لن يصدق أن ما عطلها فقط هو عدم الاقتناع.

فى النهاية لبست ذلك الخاتم الغريبة أنه اختار له سوارا كرهته منذ اللحظة الأولى، لكن ما الفرق كل شىء يتم دون اقتناع، لم تكن تريد اختبار حبه بالكثير من الطلبات مثل الفتيات الأخريات، كانت مؤمنة بالبساطة، لكن ما أثار دهشتها أنه لم يكن مهتماً بالتفاصيل، وأستغل ذلك فاعتقد انها كمثلها ترغب بالزواج للستر، لم تحظ بهدية منه أو وردة أو دبدوبا أو قلبا أحمر، تسولت منه المشاعر، فإن لم تأخذ ما تحب فلتحب ما فرضه القدر عليك، كانت على يقين أنه لم يكن هو، و عدم الزواج كان افضل من هكذا علاقة مبتورة ومشوهة، ترك لها ابيها الخيار وامها تدخلت بكل خبرة وحكمة السنوات ومعرفتها الجيدة بنقاط ضعف ابنتها، وبما يدور فى عقلها، حاولت أن تفرح لكنها لم تشعر بالتعاسة يوماً قدر ما شعرت فى فترة الخطوبة التى كانت تحدثها عنها الصديقات على أنها اكثر المراحل فى عمر الفتيات فرحاً ورومانسية ، وأنهن يعشن ويتحملن مرارة الزوج بحلو الذكريات فى فترة الخطوبة، أما الأخريات من الصديقات فقد كن جربن كل شىء فلم يعدن بحاجة لرومانسية بل للستر وبيت العدل واللحاق بالقطار، هى لم تكن أياً من النوعين، كان رجلا طيباً يكثر الكذب، بخيلاً فى كل شىء، يصب على الآخرين كل العيوب ليبرىء نفسه من أن يكون معيوباً، لا يستمع لا يتكلم لا يشعر، كان كما يقول لها عشت أكثر من اللازم كانت تشعر أنه ميت، لكنها عنيدة اعتبرته اختباراً لها ولقدرتها ومحكا جديدا وحقلا تختبر فيه قدرتها على التغيير والتعديل صدقت أمها حين قالت :(لما يتجوز هيتغير)، وبعد الزواج اكتشفت الكارثة، أنها اعتقدت انه من بنى البشر لكنه انسان آلى مريض بمرض الانطواء وحب العزلة، خائف من الآخر، أنانى لا يرى إلا بعيونه التى لاتعرف الفرق بين الحياة والموت.
اتفقت معه قبل الزواج على ثلاثة أشياء لا يفعلونها أبدا لبعضهم البعض (الإهانة والخيانة والأشياء التى تغضب الله)، وهاهو قد هانها بأن هان أنوثتها عندما اعتقد انها شىء اقتناه لمجرد أن يصبح زوجاً ويضعها فى مخزن تنتظره حين يقرر اللعب أو اللهو به والاستفادة من مواهبها، أما الخيانة فهو بالطبع قد خانها فقد كذب عليها فى كل شىء قال لها أنه يحبها والأموات لا يحبون، قال له انه سيحاول ان يسعدها وهاهى تتجرع كئووس التعاسة من مرارة الوحدة وذل الإهمال وهوان النبذ، قال انه لن يغضب الله ولكنه تركها كالمعلقة لا هى متزوجة ولا هى مطلقة تركها كالشقة التى اشتراها ليعود اليها حينما يريد او ينتهى من حياته الأخرى ، بل نفى وجودها بل الأكثر صارت تستمع لمحادثات وأناس يعرضون عليه عرائس ليتزوجهن لأنه أخفى على الجميع خبر زواجهما، وكان يعتذر بحجة وعكته الصحية، تحملت طباعه الغريبة، نفوره غير المبرر،أنانيته الشديدة، نسيانه لها وكانها بنطلون أو قميص نسيه فى أسفل دولاب الملابس ، أقتحمت مجال عمله لتلفت انتباهه لتشاركه ما يحب، لتوجد أسباباً مشتركة، كلما زاد نفوره حاولت الالتصاق به لعله يتعود عليها إن لم يستطع حبها، ولكن ذلك لم يجدى نفعا وإن كان النصح يجدى مع سكنى القبور لكانت لدموعها واستجدائها نفع، والآن عادت لقائمة الأولويات لديها فلن تحاول المزيد ولن تصدق انها الفاشلة فهو من قد فشل فى التواصل مع الأحياء أما هى فلأنها حية وتشع حياة فقد فشلت أن تدخل برغبتها طواعية لعالم الأموات، ستطلب الطلاق وتنطلق ربما تجد رجلا يقدر لها أنها انسانة كيان يمتلىء بالمشاعر وينبض بالرقة والرومانسية ويحترم حقوق الآخر ولكن ليس على حساب نفسه، حتى ولو لم تجد فلقب مطلقة وإن كان المجتمع يعتبره عاراً أفضل بمراحل كثيرة جدا من البقاء فى تابوته لأنتظار الليالى القمرية التى لا تأتى أبداً، نعم هى تقر لنفسها الآن أنه كان هناك مسافة فاصلة بين رجل طيب تسهل معاشرته ورجل ميت لا يستطيع إلا معاشرة نفسه فقط، وإن كانت غضت الطرف عن تلك المسألة الهامة وأوهمت نفسها أنه لا فرق، فالمسافة الآن واضحة بين كونها فاشلة فى نظر المجتمع على أن تحيا حياة طبيعية، وكونها ناجحة فى نظر المجتمع وهى تموت فى كل ثانية، لم تكن تقطن معه لا فى نفس الشقة ولا فى نفس البلد ورأت أن لا تعطله عن عمله وتعرض نفسهها لترهاته فى حوار خالى من الحياة ككل شىء أحسته منه، فعقدت عزمها وتركت له ورقة (خرجت من التابوت وعدت لعالم الأحياء ولن أعود لعالم الأموات مرة أخرى تركت لك كل ما اعتقدت أنه يغرينى بالبقاء فاستمتع به أو أجلب رهينة أخرى لتسجنها فى تابوتك)، عاد من عمله بعد غياب دام 15 يوما ليجد كل ما اقتناه على حاله حتى ما اشترته هى لتعطى للبيت رونقاً وجمالا إلا أنها لم تكن موجودة قرأ الورقة حاول الاتصال بها تليفونها مغلق أتصل بأهلها للمرة الأولى، ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن الموضوع برمته، وفى النهاية لم يجد بدا من الدخول لينام كعادته كل ما كان يعتريه من غضب كان بسبب أنه تحمل معاناة السفر لمدة 3 ساعات ليرضيها وهى كانت سيئة لتحمله تلك المعاناة دون أن تخبره تليفونياً لربما كان بقى فى مكانه ولم يسافر نام وهو يعتقد أنها ربما ستعود فهى دائما ما تغضب وتعود ولكنها لم تعد أبداً وظل وحيداً فى تابوته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق