الأربعاء، 22 يونيو 2016

لما قالوا ده ولد اتشد ضهرى واتسند



"لما قالوا ده ولد اتشد ضهرى واتسند، ولما قالوا دى بنية اتهد سقف الدار عليا"، فى تراثنا الشعبى عرفنا كتير من الأغانى الفلكلورية والأمثال الشعبية اللى بتمجد خلفة الولد وتعتبر خلفة البنت ابتلاء، وده رغم ان الاسلام جه هدمه والقراءن الى بيقروه الناس بيوضح بشاعته، ورغم الثقافة والتعليم والبدل الشيك والسفر وغيره وغيره من حاجات الناس المفروض اتطورت فيها، لكن لسه بيعتبروا ان خلفة الولد افضل من البنت وان اى ولد مهما كانت عيوبه افضل من اى بنت مهما كانت مميزاتها ، إلا من رحم ربى طبعا وقبل ما تقولوا لا مابقاش حد يفكر كده هاقولكم لا انا كنت مفكرة ان اللى بيفكروا كده انقرضوا لحد ما بابا صدمنى وانا باحكى له عن حد باستهجان شايف ان خلفة البنات دى هم واتجوز على مراته عشان يخلف ولد مراته الجديدة راحت خلفت له بنت قام طلق الاتنين، وانه حد زى ده لازم يتحاسب على افعاله وغبائه، ورد بابا الرد الصادم لا الولد امتداد ابوه الطبيعة حكمت واقتضت كده لكن البنت عمرها ما تكون امتداد لابوها، الدنيا دارت بيا بصراحة وسالته ليه قالى الولد هيخلف واولاده هيشيلوا اسمى ويبقوا ذكرى ليا اما البنت هتروح تخلف عيال لعيلة تانية ويشيلوا اسم راجل تانى.
عشان بس كده يابابا انا ما انفعش اكون امتدادك، ليه يا بابا مش انت اللى علمتنى أنه يوم ما اتوجدت فى رحم امى ربنا تعهد أنه هيكون فى عونك، وانا جنين اربعين يوم وقال لأخويا كن فى عون ابيك، ومعونة ربنا احسن من معونة العبد، مش انتى اللى علمتنى ان تربية بنتين وتاديبهم وتعليمهم هيكون ليك ستار من النار يوم القيامة وانت معدى من على الصراط، عشان كده طول عمرى كنت حريصة اكون مؤدبة والناس تقول ونعم اللى ربى وانتى قلت لى انى عندك بمية ولد، مش انتى اللى قلت لى ان تفوقى ونجاحى بيرفع راسك وان حصولى على الماجستير والدكتوراه كانوا احلى يوم فى عمرك، طيب والرسايل العلمية اللى شايلة اسمى واسمك ما انت اللى شجعتنى وعلمتنى وصرفت عليا والعلم ده لو انتفع به احد هيكون صدقة جارية بعد موتى وموتك، مش انتى اللى علمتنى أن البر مش الطاعة ولا خدمة الأب والأم لكن بالدعاء وبادعيلك بالرحمة والمغفرة انت وماما عقب كل صلاة، مش انتى اللى علمتنى اخراج الصدقات وبالذات الجارية فهتفضل فى ميزان حسناتنا احنا الاتنين، لانك علمتنى ان انا ومالى لابى، يابابا بعد موتك مش هينفعك اسمك ولا عدد احفادك هينقطع عملك الا من ثلاث ولد صالح يدعو لك وعلم ينتفع به وصدقة جارية والثلاثة انا عملتهم وفى نيتى يتحطوا فى ميزان حسناتك وميزان حسنات امى وميزان حسناتى لا اسمك هينفع ولا احفادك هينفعوك، يابابا لما بتتعب قلبى انا بيتقطع عليك ودموعى ما بتنشفش الا لما تخف، لماباشوفك بتضحك قلبى بيفرح وباعتبرك اهم وافضل راجل فى حياتى ، وكل اللى عملته فى حياتى عشان تكون انتى فخور بيا وبعدها تقولى انى مش امتدادك عمربن الخطاب وئد بنته حية وكانت تمسح عن لحيته التراب وهو يحفر لها قبرها، وده كان فى الجاهلية وظل عمر نادما على ذلك وانت بكلمتك دى وئدتنى حية وخليت كل اللى عملته وباعمله عشان اسعدك مالوش اى وزن جنب ان اخويا خلف ولد وهيشيل اسمك، يابابا كتبى ومؤلفاتى الجاية باذن الله هتشيل اسمى وتخلد اسمك معايا لحد يوم القيامة، اما احفادك واحفادهم دا لو فضل احفادهم يستخدموا اسمك هيعيشوا مية او مائتين او ثلاثمائة سنة، يابابا افتكرت وانت مثلى الأعلى انك غير جدى وهتعتبر أن امتدادك مش على اساس النوع لكن على اساس اللى يسعد قلبك وينفعك بعمله الصالح وبخلقه بين الناس وبعلمه فى الدنيا والآخرة هو ده امتدادك ، عارفة انك بتحبنى ومش بانسى حنيتك ولا دعمك ليا بس الكلمة كانت صعبة اوى لو تعرف قد ايه باحبك يابابا وكل نجاح وكل جهد بابذله بابقى بس عاوزة افرحك انتى واخليك فخور بيا ماكنتش قلت انى مش امتدادك ولكل اب راجع نفسك لو ده  تفكيرك.

الأحد، 19 يونيو 2016

الأخرى التى سكنتنى


نعم كنت طفلة العائلة المدللة، أملك روحاً مرحة ضحكاتى تملأ جو منزلنا صخباً، وأمى كانت تحيطنى برعايتها وعنايتها، ولى أخ مهمتنا سوياً التشاجر على كل الأشياء، كانت حياتى صاخبة ممتلئة بالأصدقاء والسهر فى جو عائلى مرح، أيام كانت هناك عائلة وأفرادها يحبون السهر والسمر وتذكر المواقف المضحكة، ولكن كبرنا وكبرت هموم أفراد العائلة وتباعد أطرافها ومات الأجداد وتحارب الأعمام والخالات على الميراث ، وازدادت المشاكل بصراع المصالح ، وكل فرد من أفراد العائلة أصبح يحارب لأجل أبنائه، ودارت العجلة ليزيد الصراع حول من يجمع لأبنائه ثروة ، يعلمهم أفضل ، يزوجهم أولاً، وضاع الضحك وصخب ليالى السمر وأصبح كل فرد فى العائلة يضغط على أبنائه ليتفوقوا، وبات كل فرد مشغولا بصراعه مع الزمن، أما أنا فقد كنت أشتاق لذلك المرح ، وقد أنهك روحى خصام أفراد العائلات فما كانوا يتصالحون حتى تقع مشكلة تافهة تفرق بينهم لسنوات، فاتجهت لصديقاتى واستكملت مرحى وشقاوتى واكملت درب سعادتى بين رفيقاتى فى كل مرحلة واتخذت منهم عائلتى الموازية ، فكنت كالزوج أعود للمنزل حتى أسمع النكد ذاكرى تفوقى تعلمى كذا افعلى كذا ألا ترين ابنة خالتك تفعل وتفعل، وابنة عمتك ماهرة فى كذا وكذا، فأدخل بدعوى الانكباب على كتبى لتحقيق أمانى أسرتى فى التفوق وأدس قصص أدبية بين كتبى أقرأها وأطالعها طوال الوقت، وبين كراسات الواجب كنت أخفى دفتراً لمذكراتى أبثه همومى وفى النهار استمتع مع رفيقاتى بالضحك واللهو حتى أننى كنت أكره الأجازات، وكبرت وكبرت معى شقاوتى وانتقلت للجامعة فكنت اقضى كل وقتى بين رفيقاتى اضحك وألهو وأدبر المقالب المضحكة، وبين ليلة وضحاها لم أعد الطفلة المعجزة نموذج العائلة المثالي ، لم أدخل الكلية التى رغب أهلى بها واخترت تخصصاً أحببته وتآلفت روحى معه وكرهه والداى بل احبط خططهما، وبعد التخرج رغبت أن اكمل دراستى فاذا بالعرسان يهربون فتأخر زواجى، وأكملت دراستى ولم يكن لدى الواسطة لأتقلد المناصب الرفيعة وأصبح الغم والهم يحاوطنى فى كل درب أسير فيه واختفى ضحكى الصاخب وبت أضحك بشفتاى لكن قلبى أصبح حزيناً كسيراً ،فتوظفت بوظيفة لا أحبها، وتزوجت حتى أخرس الألسنة ولأن الزواج فريضة أديتها كان لا اختيار لى،وضاعت أحلامى حين حدثت فى بلدتى ثورة اعتقدت انها معجزة فاكتشفت اننا فى مؤامرة كبيرة، حتى صحوت يوماً فلم أعد أشعر بشىء لا السعادة ولا التعاسة ولا الخوف وبت أبحث ماذا حدث واتساءل ويسألنى الناس ماذا بك؟ وذات مرة مثلت الفرحة والأخرى مثلت الحزن حتى اصبحت اجيد تمثيل كل المشاعر التى لا أشعر بها فى أى موقف ولم يعد هناك أنا بل احسست أن هناك أخرى تسكننى تقوم عنى بكل شىء فما عدت أهتم لأى شىء وضاعت الأيام وظهر الشيب والأمراض التى تصاحبه وتعجب الآخرون ألا أخاف الموت الذى اصبح وشيكا فكنت أسخر منهم داخلى لقد ماتت روحى منذ ماتت ليالى المرح والسمر والأحلام وانتظار غد أفضل لكن الوقت حان لكى تموت تلك الأخرى التى اغاظتنى باحتلالها جسدى فيتحرر جسدى أخيراً

السبت، 18 يونيو 2016

النحر على ضفة النهر



نشأت فى قريتها الصغيرة القابعة على ضفة نهر أزرق هو شريان الحياة تكسو قريتها الخضرة ، يصحون مع شروق الشمس وينامون مع غروبها، كان الصخب بعيداً عن حياتهم ، لم يعرفوا طوال العام أعياد ولا احتفالات إلا فى يومين يوم الحصاد ويوم النحر، اصبحت تسميه كذلك بعدما كبرت ووعيت لما يحدث، فقد كانت تمشى فى ركاب فتيات جميلات متزينات كأنهن فى ليلة العرس يقفون على ضفة النهر، يقولون فى قريتها أنه لابد أن يتزوج بفتاة جميلة عذراء، وأن جميع العائلات لابد أن يقمن بتقديم أجمل فتياتهن لربما تنال واحدة من بناتهن شرف الزواج من النهر، كانت تتعجب نهر بلا مشاعر بلا قدمين أو ذراعين كيف يتزوج ولماذا لاتعود الفتيات المتزوجات من النهر لزيارة أهلهن، ومانوع الطفل الذى ستحمله زوجة النهر، ولماذا يتزوج النهر كل عام فتاة، لم يتزوج أبيها طوال حياته بزوجة أخرى وكذلك كل رجال القرية، ولماذا عراف القرية هو من يحلم بالفتاة التى يريدها النهر دون سواه، ولكنها عندما وعيت عرفت أنهم يضحون بفتاة كى يظل النهر مباركاً يعطيهم من خيراته ويفيض عليهم بالماء الذى يشربون منه ويسقون زرعهم وماشيتهم وأنهم لا يستطيعون التأخر عن يوم النحر وإلا غضب النهر وبخل عليهم بمائه وبركاته، وأن الفتاة والعائلة التى يختار منها النهر زوجة له، لابد أن يكونا فخورين ويحظيان بمكانة رفيعة بين عائلات القرية ويصبحون مباركين ويسعى خلف بناتهن كل شباب القرية، أدركت بعقلها أن هناك شىء خاطىء لكنها لم تجرؤ على الاعتراض حتى لا تتهم بالعصيان والجنون وتنبذ من أهلها وقريتها، وكانت تعتقد انه من المستحيل أن يختارها النهر فلم يسعى خلفها اى من شباب القرية فكيف لنهر عظيم ان يختارها وهو لا يختار الا الجميلات، حتى أتى يوم استيقظت على صوت العراف يبشر أهلها بأن يعدوا ابنتهم لتكون ضمن زوجات النهر، انهارت فى البكاء فقد ادركت انها ستفقد حياتها رجت أمها وأبيها فأخبروها أنها محظوظة ولابد أن تسعد بهكذا خبر، هل تسعد بخبر قرب موتها، أى جنون هذا وجاء اليوم الموعود وسيقت الفتيات وهى من بينهن ليختار النهر من يشاء، وبدأت الطقوس تقدم الفتيات دليل العذرية فاذا سال الدم الطاهر فى النهر وهاج النهر فقد اصبحت تلك هى زوجته ، سالت دماء الفتيات الطاهرات فرأى العراف أن النهر هاج عندما سال دمها، ألقوا بها دخل النهر فاذا النهر يلفظها فى المساء على شاطئه، كان العراف فى انتظارها شق صدرها وانتزع قلبها ورماه فى النهر ورمى الجسد فى النهر فلفظه النهر فعاد لرميه مرات ومرات، أعلن العراف لم تكن الفتاة وعائلتها مخلصين فى تقديم المحبة الكافية وعليهم ان يطردوهم خارج القرية، وتزويج النهر بأخرى ظلت الجثث تلقى ويلفظها النهر وظل الناس يصدقون أن العيب فى الفتيات التى نحروهن تقرباً للنهر جف النهر وجفت من القرية فتياتها الشابات رحل الشباب بحثاً عن الرزق وعن فتيات للزواج بعد ما نحرت جميع الفتيات على ضفة النهر، هجروا عائلاتهم وامتلئت القرية بالكهول ماتوا واحدا تلو الآخر حتى قيل لم يجدوا من يدفنهم ومات العراف وعاد النهر الجاف يفيض ويجدد الحياة داخل القرية الميتة وعاد الناس يسكنونها يقدسون النهر دون نحر.