الأحد، 19 يونيو 2016

الأخرى التى سكنتنى


نعم كنت طفلة العائلة المدللة، أملك روحاً مرحة ضحكاتى تملأ جو منزلنا صخباً، وأمى كانت تحيطنى برعايتها وعنايتها، ولى أخ مهمتنا سوياً التشاجر على كل الأشياء، كانت حياتى صاخبة ممتلئة بالأصدقاء والسهر فى جو عائلى مرح، أيام كانت هناك عائلة وأفرادها يحبون السهر والسمر وتذكر المواقف المضحكة، ولكن كبرنا وكبرت هموم أفراد العائلة وتباعد أطرافها ومات الأجداد وتحارب الأعمام والخالات على الميراث ، وازدادت المشاكل بصراع المصالح ، وكل فرد من أفراد العائلة أصبح يحارب لأجل أبنائه، ودارت العجلة ليزيد الصراع حول من يجمع لأبنائه ثروة ، يعلمهم أفضل ، يزوجهم أولاً، وضاع الضحك وصخب ليالى السمر وأصبح كل فرد فى العائلة يضغط على أبنائه ليتفوقوا، وبات كل فرد مشغولا بصراعه مع الزمن، أما أنا فقد كنت أشتاق لذلك المرح ، وقد أنهك روحى خصام أفراد العائلات فما كانوا يتصالحون حتى تقع مشكلة تافهة تفرق بينهم لسنوات، فاتجهت لصديقاتى واستكملت مرحى وشقاوتى واكملت درب سعادتى بين رفيقاتى فى كل مرحلة واتخذت منهم عائلتى الموازية ، فكنت كالزوج أعود للمنزل حتى أسمع النكد ذاكرى تفوقى تعلمى كذا افعلى كذا ألا ترين ابنة خالتك تفعل وتفعل، وابنة عمتك ماهرة فى كذا وكذا، فأدخل بدعوى الانكباب على كتبى لتحقيق أمانى أسرتى فى التفوق وأدس قصص أدبية بين كتبى أقرأها وأطالعها طوال الوقت، وبين كراسات الواجب كنت أخفى دفتراً لمذكراتى أبثه همومى وفى النهار استمتع مع رفيقاتى بالضحك واللهو حتى أننى كنت أكره الأجازات، وكبرت وكبرت معى شقاوتى وانتقلت للجامعة فكنت اقضى كل وقتى بين رفيقاتى اضحك وألهو وأدبر المقالب المضحكة، وبين ليلة وضحاها لم أعد الطفلة المعجزة نموذج العائلة المثالي ، لم أدخل الكلية التى رغب أهلى بها واخترت تخصصاً أحببته وتآلفت روحى معه وكرهه والداى بل احبط خططهما، وبعد التخرج رغبت أن اكمل دراستى فاذا بالعرسان يهربون فتأخر زواجى، وأكملت دراستى ولم يكن لدى الواسطة لأتقلد المناصب الرفيعة وأصبح الغم والهم يحاوطنى فى كل درب أسير فيه واختفى ضحكى الصاخب وبت أضحك بشفتاى لكن قلبى أصبح حزيناً كسيراً ،فتوظفت بوظيفة لا أحبها، وتزوجت حتى أخرس الألسنة ولأن الزواج فريضة أديتها كان لا اختيار لى،وضاعت أحلامى حين حدثت فى بلدتى ثورة اعتقدت انها معجزة فاكتشفت اننا فى مؤامرة كبيرة، حتى صحوت يوماً فلم أعد أشعر بشىء لا السعادة ولا التعاسة ولا الخوف وبت أبحث ماذا حدث واتساءل ويسألنى الناس ماذا بك؟ وذات مرة مثلت الفرحة والأخرى مثلت الحزن حتى اصبحت اجيد تمثيل كل المشاعر التى لا أشعر بها فى أى موقف ولم يعد هناك أنا بل احسست أن هناك أخرى تسكننى تقوم عنى بكل شىء فما عدت أهتم لأى شىء وضاعت الأيام وظهر الشيب والأمراض التى تصاحبه وتعجب الآخرون ألا أخاف الموت الذى اصبح وشيكا فكنت أسخر منهم داخلى لقد ماتت روحى منذ ماتت ليالى المرح والسمر والأحلام وانتظار غد أفضل لكن الوقت حان لكى تموت تلك الأخرى التى اغاظتنى باحتلالها جسدى فيتحرر جسدى أخيراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق