الجمعة، 30 يناير 2015

عنوان ثابت



تعدى عمرى الستة عقود ولم أحظى بعنوان ثابت لمدة عقد واحد، وعلى ما يبدو أنه كان القدر الذى كتب على، تعودت طوال تلك العقود على وداع البيوت والشوارع والجيران والزملاء والمدارس والمعارف والمدن والدول، ظننت أن أسرتى السبب فى أن لا عنوان ثابت لى، لكنى اكتشفت أنه قدرى، لكن على ما يبدو أنى من كنت المسبب لكثرة انتقالهم، فقد قرر والدى عند زواجه بوالدتى استئجار شقة فى أحد الضواحى لانخفاض الايجارات فى الضواحى عن المدينة وخاصة انه خرج من الجيش بعد قضاء سبعة أعوام فى حرب الاستنزاف مفلساً، وعندما حملت أمى بى قررا الانتقال إلى شقة فى المدينة بعد استقرار أمورهما المادية، وبعد عدة سنوات نزل اسم أبى فى الإعارة فاصطحبنا معه، وهناك انتقلنا بين مدن اليمن وقراها حتى عدنا، واشترى أبى لنا منزلا كبيراً ولم نستقر به إلا بضعة سنوات، ثم قرر أهلى شراء منزل جديد فى وسط البلدة لآن المنزل الأخر كان فى أطراف البلدة وبعيد عن أماكن مدارسنا، ودخلت الجامعة فتركت منزل أهلى لأقيم فى المدينة الجامعية وخلال أربعة سنوات أقمت فى ثلاث مدن جامعية مختلفة، وبعد عودتى لمدينتى كنت قد قررت إكمال دراستى العليا ، فعدت مرة أخرى للجامعة فى المدينة البعيدة عن بلدتى وتركت منزل أهلى بعد إنقضاء الإجازة، عدت لنفس الجامعة ولكنى لم أعد لنفس المدينة الجامعية، وعدت مرة أخرى لمدينتى ولكن توظفت بإحدى المدارس فى قرية بعيدة وقمت بدراسة الماجستير على بلدة أخرى فكنت أقضى يومى فى الانتقال بين بلدتى وبلدة العمل وبلدة الدراسة وبلدة الجامعة، ولم أطيل الاستقرار فى بلدة العمل فتغيرت رغم مقاومتى وعدم رغبتى فى التغيير، ثم طال التغيير بلدة الإقامة فانتقلت مع أهلى لمدينة ساحلية وهناك عملت وسكنت وظل مكان الجامعة هو الثابت، ثم اشترى أهلى منزلا جديداً فانتقلنا له فقلت لوالدتى ممازحة بسخرية (أتركى أغراضنا فى صناديقها فلربما ننتقل بعد إخراجها وفرشها بعام)، وكأن القدر يسجل ورائى فلم تمضى سنتان حتى تزوجت فلملمت أغراضى فى صناديق وانتقلت بها لشقة زوجى فى نفس البلدة، ولأن زوجى يعمل بمدينة أخرى انتقلت للسكن معه وانتقل مقر عملى معى، ورزقنا الله بالبنت والولد، كما رزقنا بالسفر للخارج فقررنا السفر لتكوين مستقبل الأولاد، وانتقلنا بين البلاد العربية والأجنبية، وفى كل مرة كنا نعود لمصر كنا ننتقل لبيت جديد، وكنت أضحك فى نفسى وأتذكر عبارتى لوالدتى رحمها الله، وكبرنا أنا وزوجى وقررنا الاستقرار وتزوج ابناءنا ولم تمض سنوات قليلة حتى رحل زوجى، هاجمتنى الأمراض بعدها وانتقلت بين بيوت ابنائى ، وشعرت أنى أثقلت كاهلهم بعبئى ، وحسدت زوجى على رحيله المبكر، ثم قررت الانتقال بكرامتى  إلى دار مسنين ن رغم إدعائهم الرفض وادعائهم الغضب من موقفى ، واليوم أشعر إنى على مقربة من لقاء الرحمن ، طلبت من إحدى مشرفات الدار وضع أغراضى فى صندوق ، فسألتنى هل ستنتقلين لمكان آخر، أجبتها بنعم سأنتقل أخيرا لعنوانى الذى سيثبت ولن يتغير إلى يوم القيامة عليك التخلص من صندوقى وأغراضى فلعل من يقتنيها تنتقل إليه عدوى العنوان غير الثابت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق