جاءنى صوتها لأصحو من أحلامى التى سافرت بى
من سريرى فى منزل أبى رحمه الله إلى أوروبا بلد الحرية والجمال والمغامرات
الممتعة، كررت نداءاتها لى ( يلا أصحى هتتأخرى عن شغلك) وتابعت حديثها اليومى
المكرر الذى أصبح أكثر من فنجان القهوة بالنسبة لى كمنبه قوى يقصينى عن سريرى
ودفئه الوثير لأغمر رأسى تحت صنبور المياه حتى لا أسمع بقية الحوار المعاد الرتيب
الذى تبدأه كالآتى( هتفضلى مشيلانى همك، كبرتى ولا كبرتيش، ماهو لو كنتى متجوزة
كان فاتك الوقتى صحيتى جرى من سريرك تحضرى الفطار لجوزك وعيالك وتجهزى أكل الغدا
قبل ما تخرجى عشان تلحقى تخلصيه بعد ما ترجعى من شغلك، ولو كنتى متجوزة، كان فات
عندك حتة عيل ولا اتنين، يا بنتى اللى قدك ولادهم فى المدارس، وعندهم عيل واتنين،
بصى لأخواتك ولا بنات خالاتك ولا صاحباتك فلانة وعلانة) ويظل هذا الحوار المقرر
عليه سماعه يوميا كل صباح الذى أقسمت لأمى مراراً أنه لا داعى لتكراره لأنى حفظته
عن ظهر قلب وأنى أدرك أنى أصبحت عانس، وأن حملى وإنجابى للأطفال أصبحا على المحك،
لكنى لن أتزوج لمجرد الزواج وإرضائها ولكنى سأتزوج رجلاً يرضى طموحى ويدعم مستقبلى
ويشاركنى ليس الفراش والطعام والمنزل وحسب، إنما يشاركنى الرأى والفكر والثقافة
وأسلوب الحياة ، لكنى يئست فما أن أقول تلك الكلمات حتى أفتح مجالاً لبقية حوارها
المؤنب بأننى (مخى طاقق) وأنها لا تعرف( أنا طالعة لمين) وأنى أصبحت أعيش (عشان
أقهرها وأكسر خاطرها وأعيشها فى قلق ورعب على مستقبلى بعد موتها) وأعود لأطمئنها
أننى طالما لم أتزوج سيمد الله فى عمرها لتكون عوناً وسنداً وونيساً لى فى الدنيا
وأن فكرة بقاءها معى أفضل من مليون عريس وأن العريس رزق والرزق بيد الله، ويظل
الحوار والجدل متصلاً لا ينقطع ولا تهدأ أمى و لا أستطيع إقناعها ولا تستطيع
اقناعها ولا تستطيع إقناعى ولا يعدل أياً من أفكاره، لكن ما جعل اليوم مميزاً فى
حلقة الجدل والتأنيب الصباحية إنى ارتكبت خطئاً فظيعاً عندما قلت لها أن فرح ميرفت
صديقتى والعانس قبل الأخيرة والباقية لليوم، وما أن أخبرتها ذلك حتى أصبحت أمى
كالمرجل الذى يغلى فوق فوهة بركان على وشك الثورة، ولم أملك إلا أن أخطف حقيبة يدى
ومفاتيح سيارتى بعد أن أخبرتها أن الجدل لن يفيدنى وأدعو الله أن يأخذنى الموت
لأستريح من عناء سماع كلماتها فى هذا الشأن ليل نهار، فقد اصبحت كلماتها كالنحيب
على الموتى، اسكتتها كلماتى خرجت وصفعت الباب ورائى فى غضب شديد، وقدت سيارتى وأنا
تقريباً لا أرى الشارع وقررت أننى لن أعود للمنزل ولأنفس قليلاً عن غضبى أرسلت لها
رسالة نصية بالموبايل مفاداها (أن علاقتنا أصبحت متوترة جداً بشكل لا يطاق، وإنى
أريد أن أرتاح وأهدأ فسأقضى يومين أو ثلاثة خارج المنزل وما أن مرت دقيقة حتى رن
هاتفى بشكل متواصل لا ينقطع، كانت المتصلة أمى لكن من شدة غضبى منها قررت أن أغلق
هاتفى المحمول، وأكملت القيادة وأنا فى قمة الغضب، إلا أن أوقفنى عسكرى المرور بصفارته
التى أفاقتنى من شرودى لأننى كسرت الإشارة دون أن أدرى وقد وقفت للحصول على
المخالفة وعندها قطع حوارى مع العسكرى صرخة مدوية وسيارة تفرمل بسرعة شديدة، ليقع
ناظرى على أم تقع على الأرض أمام السيارة وتقذف بابنتها الصغيرة على الرصيف
لتبعدها عن الموت ونتلقاه هى بدلاً عن ابنتها مع أن الأبنة هى التى تركت يد أمها
وهرولت مسرعة إلى الطريق غير مبالية بالسيارات، لكن الأمر لم تفكر ثانية وافتدت
ابنتها بروحها، هذه الحادثة ألهت عن عسكرى المرور فهرول تجاه الحادثة وتركنى، فعدت
لقيادة سيارتى وقد زال غضبى وبدأت الصور والذكريات تتوالى و تتواتر أمام عيناياى
أمى وهى تمرضنى، وتطعمنى، وتوصلنى لمدرستى، وتمنع عنى عقاب أبى، وتذاكر لى،
وتصطحبنى للنزهات والحدائق، وتمسح دموعى وتحمل همومى وتحقق عنى وتحاول تحقيق
أمنياتى، وغيرها من آلاف الصور والذكريات الماضية والحاضرة فلم أفق إلا وأنا أعود
أدراجى نحو منزلى لأهرع إليها وأجدها تجلس وهى تنتحب فأجلس عند قدميها أقبلهما
فتحاول هى رفعى فأرجوها أن تدعنى أشم ريح الجنة فحقاً الجنة عند قدميك....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق