قرأت سيرة ذاتية عن تجربة نسائية رائدة ، ففى كتب التاريخ قديما قرأت عن نساء مصر الرائدات ولم أعرهن انتباهاً بل كان مقرراً على حفظه ، فمررت بتلك الأسماء دون أن أعرف عنها أكثر من السطور التى كتبت عنها والتى نسيتها بمجرد انتهاء الامتحانات، أما وقد وقع فى يدى كتاب عن السيرة الذاتية لنبوية موسى بعنوان (تاريخى بقلمى) فقد اكتشفت كم الفخر الذى يجب أن تفتخر به بنات مصر بنسائهن الرائدات قبل أن تكتب الريادة لأى من نساء العرب ومن قديم الأزل، أن نبوية موسى ارتبط اسمها بالسفور الذى فسر بأنه خروج عن المألوف ، لكن التاريخ أغفل معركتها الأساسية فى أن تيسر لبنات مصر والعرب بما أن مصر كانت الرائدة دائماً، يسرت بعد الكثير والكثير من المعارك التعليم حتى المستوى الجامعى وهو ما لم يكن مألوفاً عند المصريين والعرب بل يسرت تقلد المصريات للعديد من الوظائف التعليمية والقيادية داخل وزارة المعارف(أو التربية والتعليم) وقتها ، مما سهل للكثير من المصريات التعلم والوصول لأرقى المستويات التعليمية بعدها وتقلد جميع المناصب فى كافة الوظائف داخل وزارة التربية والتعليم وغيرها.
خرجت من منزلها وتحدت ظروفها وباعت مصاغها لتدفع مصروفات المدرسة، وعلمت نفسها وتحدت أسرتها والدتها وأخيها وقررت إكمال تعليمها وتفوقت على أقرانها وواصلت التعليم حتى نهاية المطاف، فرفضها الرجال المصريون لأن تصرفها كان شاذاً عن المألوف وقتها فجابهتهم بالمنطق العقلى وطرحت وجهة نظرها بوعى وإدراك وثقة وإيمان شديد بأفكارها حول الحجاب والسفور حتى النساء اعتبروها متبرجة وسافرة وغاروا منها على أزواجهم وربما غاروا منها لأنها استطاعت أن تخرج خارج السجون والزنازين التى حبسوا فيها فأعجب بعض الرجال بعقلها وتاقوا لرؤيتها ولم تكن ممن يهتمون بزينة النساء والتجمل لنيل رضا وإعجاب الرجال بل ركزت على هدفها وجعلت نفسها بمنأى عن الرجال اللهم فيما يختص بالعمل بل أجبرت جميع الرجال حولها من ألتزام حدود الأدب واللياقة معها وعدم التعامل معها على أنها أمرأة ممكن غوايتها أو التغرير بها بل اجبرتهم على احترامها والتعامل معها على أنها إنسان دون النظر إلى جنسها أو شكلها، حاربوها لأنهم غاروا من منافستها لهم وهى فتاة فى مناصب القيادة بل وتفوقها عليهم وتمردها على أنظمة الوزارة ومناهجها التى وضعها الأنجليز وابتكارها لطرق أفضل فى التعليم وتحقيقها لأفضل النتائج، بل مالبثوا أن جاملوا الأنجليز على حسابها فاضطهدوها وكالوا لها المصائب ودسوا لها الدسائس ، بل أن الأنجليز أنفسهم غاروا من دعايتها لوطنها وقد كانت خير دعاية، وغاروا من تفوقها على نسائهم ومنطقها التى جادلتهم به فأفحمتهم فأعجزتهم ولم يستطع أياً من المصريين أو الأنجليز أن يقفوا لها على أخطاء تقلل من شأنها أو من عملها أو تصيب سمعتها أو تشكك فى وطنيتها أو توقعها فى المشكلات كانت كالفريسة يطاردها الصيادون أينما حلت ، لم تكن تصنع الأعداء لكنها لم تكن ترضى التنازل عن حقها فى تنفيذ أفكارها ضحت بكل ممتلكاتها من أجل تنفيذ ما تؤمن به. (يتبع)