جاءت لى فى الموعد المتفق عليه مسبقاً، تملىء وجهها بالمساحيق، تحاول أن تخفى رعبها الدفين فى الأعماق، ثقافتها ضرتها أكثر مما نفعتها، أعطتنى ملفاً أتت به من معمل للتحاليل، وظرفاً أخرى به أشعة، يدل زيغ بصرها أنها تعرف جزءً مما سأقول استطيع أن اتنبىء بذلك، فى الثوانى التى تلت استلامى للملف للآطلاع عليه أستطيع أن أجزم أننى أسمع دقات قلبها الذى يكاد يخرج من بين أضلاعها من شدة الخوف، تحاول ان تستنتج هى وصديقى أى معلومة من خلال قراءة قسمات وجهى، لايدركان أن وجهى مدرب على عدم إعطاء أى دلالات للحالات التى أتابعها، أعرف أنها متشككة حيث أنى وزوجها أصدقاء، فهى ستُكذب مقدماً كل ما تسمعه منى إن كان فى غير صالحها، ومع ذلك أدرك فى أعماقى أنها حاولت البحث فى الشبكة المعلوماتية عن أى شىء يريحها ويوصلها لمعلومة.
رفعت بصرى من على تقرير المعمل، أدركت أن حلقها جاف من شدة الخوف وأنها تريد التوسل كى أطمئنها، قلت لها هى وزوجها وأنا أحاول تخفيف وقع الكلمات قدر الإمكان مع الاحتفاظ بدورى كطبيب فى إيصال المعلومة لمريض،(اطمئنوا التحاليل أفضل من توقعاتنا والمشكلة وارد حلها بإذن الله)لكن كلماتى لم تشف صدرها، كانت تعتبرنى رسول الموت الذى سينبأها بخبر موتها والآن هى فى حيرة من أمرها تهز رأسها وتحرك نظراتها بينى وبين زوجها وكأنما تسألها هل فهمت شيئاً أم أن صديقك يتلاعب بنا؟ عاجلتها قلت لها لا اريد اصابتك بالصداع ابتسمت بمرارة فهى تعانى صداعا مزمنا منذ عام ، اردت ان اخبرها أن المصطلحات الطبية صعبة الشرح والفهم أيضاً، عاجلتنى أنا هأموت؟ قلت لها لالالالالا، الطب اتقدم وبإذن الله هتبقى كويسة، أنا جالى مشاكل أكبر من كده بكتير واتعالجت الحمد لله)تراكمت الدموع فى عينيها كالسيل الذى على وشك الانهمار، حاولت أن أوقف هذا التدفق قلت لهما وانا أنظر لها بتعاطف(كل حاجة هتبقى تمام)نظرت إلى مستنكرة تعاطفى وكأنما هى عجوزاً فجأة عاملتها كالأطفال كلماتى لم تواسيها، أعرف أنها كانت تأمل بنتيجة مختلفة أو كلمات تمحى المشكلة وتنسفها نسفاً، انهمرت العبرات وكتمت أنينها، زاد تعاطفى معها نظرت لزوجها صديقى وجدت فى عينيه نظرت تندمج فيها الفرحة بأنه ليس صاحب المشكلة بالتعاطف مع دمعات زوجته، بالحيرة فيما سيفعل إذا لم تعالج تلك المشكلة، فقد بدت له فكرة موتها رغم كل شىء مرعبة وهو غير مستعد لذلك، عندما همت بالخروج من غرفة الكشف بدت كأنها تترنح من هول الصدمة تحسست بيدها كى تلمس يد زوجها لتستند عليه فاذا بيده تفلت من يدها ليقع مغشياً عليه، هرولنا له فإذا به قد فارق الحياة (التشخيص هبوط حاد فى الدورة الدموية)، هل كان على موعد مع رسول الموت فى عيادتى، هل قرر أن يسابقها إلى هناك ليطمئنها أن لا مخافة من الموت، أم أراد استكمال المشوار الذى بدآه سوياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق