السبت، 23 مارس 2013

حبيسة السجن الزجاجى

استدعيت لواحد من تلك المؤتمرات التى نحضرها هذه الأيام ليتكرر الحديث عن مآسى الدولة والديمقراطية وأشياء عن السياسة والاقتصاد معظمها معاد ومكرر، اصبحت لا آبه بتلك الترهات التى تقال ، لكنه عملى فأنا صحفى يكتب عن السياسية والاقتصاد، ولابد لى من تلبية الدعوات لتلك المؤتمرات والاستماع لما قد يدور فيها، وهذا المؤتمر يكثر فيه المتحدثون الأجانب، لذا فقد وضع البعض من الجهلاء أمثالى الهيدفون الخاص بالترجمة، وبدأت امل من سماع الكلمات، لكن الصوت الاتى عبر الهيد فون لفت نظرى ، كان فيه دفء هدوء ينزعك من ملل الكلمات ليريح اعصابك وكأنك تستمع لصوت البحر وشخص ما يهمس فى أذنك ويدندن لحناً جميلا، فى البداية لم أتنبه ابدا من أين يأتى الصوت، لكن اليوم هناك شىء دفعنى للبحث عن المكان الذى يأتى منه الصوت ، فإذا بى أرى فتاة فى ال30 من عمرها جميلة وكانها اتت من العصور الوسطى وحبستها الساحرة الشريرة داخل بيت من زجاج وقضت بانها لن تخرج من ذلك البيت وستظل تحادث الناس عبر اسلاك تخرج من تحت جدران محبسها، بدت وكانها هى المتحدثة وليست المترجمة، كانت تستخدم إشارات يدها وتعبيرات وجهها، يتحرك ذيل الفرس فى رأسها الذى يجمع شعرها للوراء يمنة ويسرة وهى تتفاعل مع الكلمات قبل ان تصبها فى آذان مستمعيها، سحبنى المشهد من القاعة وأخرج من رأس مغزى الكلمات ومغزى وجود بين تلك الجموع البشرية، لم أدرك إلا وأنا اثبت ناظرى على السجن الزجاجى الذى حبست فيه الأميرة الجميلة، كانت عيونها مرسومة بدقة وشفتيها دقيقتان، وأصابعها رقيقة وكان مايسترو تشير لأحبالها الصوتية فتشدو بصوتها ، صوتها له رنين جميل ينم عن ثقتها بنفسها، لم اتنبه إلا عندما توقفت عن الكلام وقتها افقت وعرفت ان المؤتمر انتهى، جرى زملائى نحو المتحدثين لعمل حوارات وجريت لألحق بأميرتى وسلوتى ، لم ألحق بها، وقفت أمام الفندق لأنتظرها وعقدت العزم على أنها اتعرف عليها واطلب منها التعاون معى لتقديم ترجمة وافيه للحوار الدائر فى المؤتمر ، لم يكن ذلك هو المتعارف عليه أو مقبول من حال الأصل، ولكنه حجة ما أستطيع التعرف من خلالها عليها، وبد 10 دقايق شاهدت أمرأة محجبة تخرج من الباب الخلفى للموظفين، لم أعرها التفاتاً فى البداية إلا أننى عندما دققت النظر وجدتها هى ، ولكنها غيرت ملابسها وارتدت ملابس فضفاضة أكثر وحجاب على رأسها وازالت مساحيق وجهها، كنت سألحق بها لأحدثها ، ولكننى تراجعت وقررت مراقبتها لأعرف ما ماهيتها، تتبعتها حتى محطة المترو، انتظرت حتى نزلت ركبت ما يدعونه بالتوك توك وتتبعتها، وجدتها تسكن فى حارة شعبية شديدة الضيق، وقفت أمام عربة لبائع فول انحنت على يده وقبلته واعطته مبلغاً من المال ثم مشيت انحنت على طفل يجلس فى الشارع وقد اتسخت ملابسه نادى عليها بكلمة أمى حملته وقبلته ، احسست بتآكل فى مخى ، فأنا الهرة التى سيقتلها الفضول، جلست على القهوة وعرفت من صبى القهوجى أنها خريجة اداب انجليزى مات زوجها المدرس بعد ان انجبت الصبى ، اصبحت مسئولة عن ابنها واخوتها واسرة زوجها ، تقدم لها الكثيرين من راغبى الزواج قررت رفضهم جميعا ، الكل فى الحارة  يعتقد انها تقوم بإعطاء دروس لا أحد يدرك أن الساحرة القت علي جمالها تعويذه وجبستها فى ذلك السجن الزجاجى وآخر ما سيناله أى رجل منها صوتها عبر الهيدفون. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق