"كانت تجلس فى الخيمة
المجاورة لخيمتى فى الميدان، وكانت تحدثنى عن زفافها المنتظر منذ دقائق" قلت
العبارة وأنا مذهولة أنظر ليديها المخضبتان بالدماء بدلاً من الحناء، أى يوم هذا
الذى تتمنى فيه العروس أن تدخل دنيا جديدة بالزواج، فتخرج منها الحياة باعتداءً
غاشم، أنظر لوجهها لم تفارق وجهها الابتسامة ، لكنها لن تكون فى انتظار خطيبها
الذى سافر ليعمل حتى يدفع أقساط الشقة والأثاث بعد خطبة دامت لسنوات وقصة حب بدأت
منذ الجامعة، كانا يعرفان أنه من المستحيل أن يتخرجان فيجدان عملاً على الفور، وأن
تكاليف الزواج صعبة، وظروف أسرتيهما لا تقدم ولو بارقة ضئيلة من أمل للمساعدة فى
إتمام زواج سيعترض عليه الجميع فأبيها وأمها يتمنيان لها "عريس مريش"
يحمل عن كاهلهما كل أعباء التجهيز ويحضر لها شبكة وشقة وأثاث فاخر فهما موظفان
بالكاد استطاعا أن يساعدان أبنائهم على التخرج من الجامعة، ولا يستطيعان أكثر من
ذلك، أما هو فهو الأخ الأكبر لثلاث بنات يريد أبوه أن يساهم معه فى أن يستر أخواته
فى بيوت عدلهن، ومع ذلك فقد قررا أن يتحملا كل شىء من أجل أن يكملان حياتهما سوياً
فى بيت صغير ويحققان المستحيل معاً.
تخرجا وعملا فى كل شىء وأخيراً استطاعا أن
يكملان حق شبكة بسيطة ويقنعان أسرتيهما أن يعلنان خطبتهما على أن يبحث عن فرصة عمل
خارج البلاد ليحضر باقى مستلزمات الزواج من شقة وأثاث ومرت أربع سنوات منذ أن وجدا
عقد عمل دفعا فيه كل ما استطاعا أن يبيعانه بل وأقترضا من كل الأقارب والمعارف،
وها هو يستعد للعودة ليتم الزفاف بعد أشهر، وقد تم تجهيز الشقة وحجز القاعة للفرح
، و هى جهزت الثوب الأبيض وأحضرت الرفايع من جهاز الشقة، وطبعت الدعوات ووزعت
وانتظرت عودة العريس الذى يطرب قلبها لمجرد سماع أنهما سيتزوجان أخيراً، وقبل
عودته قامت الثورة ، فاشتركت هى واستعجل هو العودة حتى يشارك ، كانا يريدان لمصر
الحرية ويتخلصان من عبء الحكم الظالم الذى قهر أحلامهم وأحلام الكثير من الشباب،
ولكنها سبقته حتى يعود ويلتقيان فى الميدان وسيؤجلان موعد الفرح إلى اليوم الذى
ستفرح فيه مصر بأكملها بانقشاع غمة الظلم، وبتغيير قاعة الفرح لميدان التحرير
وتغيير المدعوين إلى كل أهالى مصر المحروسة الشرفاء الثوار، لكنها الآن تموت، جاء
شابين يخترقان الجموع لنقل المصابين للمستشفى الميدانى وفجأة جثم أحدهما أمامها
وفرت دموعه غزيرة وهو يتمتم بالآتى(ما عرفتش أوصلك وأقولك انى جيت الميدان عشان
المحمول شبكته مقطوعة، وعاهدتينى ما تزفيش إلا وأنا جنبك وأديكى بتتزف وحواليكى
الملايكة وأنا مش رايحة معاك اتغرب تعشانك ورجعت عشان مصر وعشانك لكن أديكى
سايبانى لحد أمتى هتفضلى كل ما أحاول اقرب منك خطوة تبعدنى عنك الأقدار خطوات)
وكأن الموت أراد أن يمنحه لحظة وداع أخيرة ففتحت عيونها وهمست له(هاستناك زى ما
باعمل دايماً) ولفظت أنفاسها الأخيرة، وبعد أيام حاولت البحث عن الشاب داخل
الميدان لأعطيه غرضاً يخص الشهيدة فلم أجد له أثر، فإذا بى أجد صورة لشهيد شاب
مجهول قالوا انه استبسلت فى الدفاع عن ميدان التحرير والثوار، أراد تعديل موعد
الزفاف وشكله ولكن القدر هيأ لهما زفاف ملائكى فى السماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق