خرجت من عيادة الطبيب والأرض تميد بى، نعم
كانت واحدة من أمنياتى أن لا أنجب طفل لها العالم البائس، كما كنت مضربة عن الزواج
حتى لا يتعطل مستقبلى لكننى الآن، لا أفكر فى شىء سوى ذلك الطفل الذى أرغب فى أن
ينمو داخل أحشائى، ظل زوجى يواسينى وأنا لا أسمع كلماته فقد كان هناك ذلك الشريط
الطويل من الأمنيات التى تحققت والأمانى التى تأخرت والفرص التى ضاعت، كنت أشعر
بنفسى وكأن لا غد لى ، لا أعرف ماذا تغير بداخلى، نعم فى البداية تزوجت لأخرس
المجتمع الذى يطاردنى بكلمة عانس، ولكننى منذ تزوجت وأنا لا يمر على يوم إلا وأفكر
متى يأتى اليوم الذى أبشر فيه زوجى وأمى بخبر حملى، حققت الكثير من الأمنيات،
وماتت الكثير من الأمنيات، لم أدرك يوما ً أننى سأدفع لقاء طموحى أمومتى ، ولا
أدرى متى ولد ذلك الشغف داخلى ، شغفى بوجود طفل، المصيبة الكبرى أننى لم أجنى من
مستقبلى غير شهادات علمية أصبح مكانها الجدران، وأهدرت من عمرى وشبابى وجهدى
وأعصابى وأموال أبى رحمه الله الكثير ولم أجنى أى شىء ، حرمت نفسى من الكثير
والكثير من الأشياء والمتع، فقدت الكثير من الأصدقاء، وفرص الراحة، اكتشفت اليوم
اننى واهمة فأنا لا شىء سوى واحدة من أولئك الخيل الذين يجرون فى السبق ولا يفعلون
شىء سوى الجرى فى السبق.
وصلنا المنزل وأنا لا أنطق بكلمة وزوجى
المسكين يحاول مواساتى وأنا أدرك أنه لم يدرك بعد أن ذلك الخبر معناه أنه هو الآخر
عليه أن يختار بينى وبين حصوله على لقب أب، بكلمة واحدة قالها الطبيب هدم لى حياتى
وأحلامى وأخر فرصة لى فى أن أجد ذاتى وأعوض ما فاتنى وماخسرته، اليوم خسرت كل شىء
بكل بساطة، لم يعد هناك غد، اليوم فقط ادركت اننى كنت أرغب بشدة فى أن أكون أم وأننى
أحب طفلى حباً شديداً فقد حاولت أن أغير العالم حتى يكون أفضل حتى ينعم هو بكل
الميزات التى حرمت منها، اليوم أدركت أن كل ما كنت أدفعه وأنا أظن أنه لمستقبلى فى
الواقع كنت أدفعه مقابل مستقبل أفضل لطفلى، اليوم أدركت أننى استحق أن أكون أم ،
لكننى لن أكون ، دخلت غرفتى واطفئت الأنوار وتدثرت بغطائى ، تحجرت الدموع فى
عيونى، وظل قلبى ينزف حتى شعرت بالبرد يسرى فى كل أوصالى ، كنت أعرف يا طفلى
العزيز الذى لن أراه أبداً أن عالمى تغير منذ اللحظة التى واجهنى بها الطبيب بأنك
لن تأتى، أعرف أننى لابد أن أتمسك بإيمانى ولا أيأس من رحمة الله، لكننى على كل
حال أطمع فى أن أدخل الجنة برحمة ربى حتى أسعد بحملك بين يدى واشتم رائحتك وأرى
ابتسامتك، وأناملك الرقيقة التى ستمتد حتماً لتمسح دموع أمك المسكينة فإن لم أسعد
برؤيتك فى الدنيا فلابد أن الله الرحيم سيعوضنى برؤيتك فى الجنة فمن الأن لن أنفق
ساعة إلا فى الطاعة حتى أدخل الجنة وألقاك يا طفلى الحبيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق